مقالات وآراء

المثالية السامة: حين يتحول السعي للكمال إلى فخٍّ نفسي

 بقلم المعالج النفسي - فاطمة الصغير

في عالمٍ يُمجِّد النجاح والإنجاز، يبدو السعي للكمال كقيمةٍ راقية وهدفٍ نبيل، لكن أحيانًا يتحوّل هذا السعي الصامت إلى فخٍّ نفسيٍّ يُنهكنا دون أن نشعر.

نُطارد صورةً مثاليةً لأنفسنا لا تُشبه الواقع، نُحاكم ذواتنا على كل هفوة، ونعيش في صراعٍ دائمٍ بين “ما نحن عليه” و”ما نظن أننا يجب أن نكونه”.

المثالية السامة لا تُشبه الطموح  فالطموح ينمو رغم العيوب، أما المثالية فتسعى إلى الظهور بلا عيوب، فلا تترك مساحةً للخطأ، ولا تعرف للراحة طريقًا؛ لأن عيني صاحبها لا تريان سوى ما لم يُنجَز بعد.

كما تجده يعيش في توترٍ دائم، لا يفرح بالنجاح لأنه مشغول بالخطوة التالية، ولا يهدأ في راحة لأنه يخشى التقصير.

كثيرًا ما تبدأ هذه المثالية من الطفولة، حين يُربّى الطفل على عباراتٍ مثل:
“يجب أن تكون الأفضل دائمًا”، “الخطأ غير مقبول“، “الناجح لا يُخطئ”

فينشأ خائفًا من الفشل أكثر من شغفه بالنجاح، ويكبُر وهو يطارد صورةً لا تُشبه البشر.

العلاج يبدأ حين نمنح أنفسنا الأذن بأن نكون بشرًا لا كائناتٍ مثالية. حين ندرك أن الخطأ ليس سقوطًا، بل جزءٌ من طريق التعلّم، وأننا لا نحتاج إلى أن نكون الأفضل… بل أن نكون صادقين ومرنين مع أنفسنا.

فالمرونة النفسية هي الخلاص من قيد الكمال؛ أن نتعامل مع العثرة كخطوة، ومع النقص كمساحةٍ للنمو، وأن نحتضن ذواتنا كما هي، لا كما يريدها العالم.

إليكم خطوات بسيطة تساعد على تحقيق التوازن بين الطموح والمثالية:

  • راقب صوتك الداخلي، واستبدل النقد القاسي بالتشجيع الواقعي.

  • ذكّر نفسك أن التقدّم أهم من الكمال، فالمثالية تُجمّدك والطموح يُحرّكك.

  • امنح لنفسك حقَّ الخطأ، فهو ما يجعلك أكثر نضجًا ومرونة.

  • قِس نجاحك بما تعلّمته، لا بما أنجزته فقط.

  • تذكّر أن قيمتك لا تُحدَّد بنتيجة، بل برحلةٍ مستمرةٍ من السعي والنمو.

دومتم بصحةٍ نفسيةٍ جيّدة تتقبّلون ذواتكم وتحبونها كما هي، تدركون أن الكمال لله وحده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock