عمق تاريخي واستراتيجي في المحافل الدوليةفي خضم الحراك الأكاديمي المتصاعد الذي يسلط الضوء على الأدوار المحورية للمرأة العربية في البحث العلمي، تبرز الدكتورة منى عبد المنعم عبيد، الباحثة في التاريخ الإسلامي بجامعة العريش، كصوت علمي رائد يعيد صياغة السردية التاريخية لشبه جزيرة سيناء. تتميز الدكتورة منى بقدرتها الفائقة على مزج التحليل التاريخي العميق بالرؤى الاستراتيجية المعاصرة، رابطةً التراث السيناوي الغني بالهوية الثقافية والتنموية الراهنة. وقد جعل هذا الطرح المتكامل مشاركاتها الأخيرة في سلسلة من المؤتمرات العربية والدولية محط اهتمام واسع، مؤكدةً على المكانة الحضارية والاستراتيجية التي تتمتع بها سيناء عبر العصور.شهد شهر نوفمبر 2025 زخمًا بحثيًا للدكتورة منى، حيث قدمت ثلاث محطات علمية متتالية، كل واحدة منها تمثل زاوية مختلفة في قراءة سيناء. بدأت هذه الرحلة بمشاركتها الفعالة في مؤتمر اتحاد المؤرخين العرب، الذي عُقد تحت عنوان “الغرب والقضايا العربية عبر العصور”. لم تقتصر مشاركة الدكتورة منى على الحضور، بل ناقشت رؤيتها المعمقة حول علاقة سيناء بالقضايا العربية الكبرى، مستعرضةً دورها كجسر حضاري ونقطة التقاء بين الشرق والغرب، وكيف عكست الأحداث التاريخية هذه الديناميكية المعقدة. لقد كان هذا المؤتمر بمثابة تمهيد لتركيزها على سيناء كمنطقة ذات تأثير تاريخي لا يمكن إغفاله في تشكيل الوعي العربي.تلا ذلك مشاركة محورية في المؤتمر الدولي الثامن والعشرين لـ المجلس العربي لاتحاد الأثريين العرب. هنا، قدمت الدكتورة منى ورقتها البحثية التي حظيت بتقدير كبير، بعنوان: “آليات الأمن في شبه جزيرة سيناء خلال العصرين الأيوبي والمملوكي”. يمثل هذا البحث إضافة نوعية للمكتبة التاريخية، حيث لم يكتفِ بسرد الأحداث، بل قام بتحليل البنية الدفاعية لسيناء، مسلطًا الضوء على التحصينات الأيوبية والمملوكية، وأبرزها قلاع رأس الجندي وجزيرة فرعون والعريش. وقد أوضحت الباحثة الدور المحوري لشخصيات تاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي في تأمين طرق الحج والتجارة، مقدمةً قراءة جديدة تربط بين الأمن التاريخي والجيوبوليتيكا للمنطقة، وتؤكد على أن سيناء كانت دائمًا خط الدفاع الأول وممرًا حيويًا.أما المحطة الثالثة، فكانت في مؤتمر الصناعات الثقافية والإبداعية الذي نظمته وزارة الثقافة المصرية، والذي تناول أبعادها التنموية مع التركيز على “سيناء نموذجًا”. في هذا المحفل، تحولت الدكتورة منى من المؤرخة الأمنية إلى الباحثة التنموية، حيث قدمت ورقة بعنوان: “الصناعات التراثية في سيناء… جسر بين التاريخ الإسلامي والتنمية الثقافية المعاصرة”. ركزت الورقة على الهوية السيناوية كما تتجلى في الحرف التراثية، وتتبعت التطور التاريخي للصناعات اليدوية خلال العصور الإسلامية، وصولاً إلى طرح رؤية متكاملة لتفعيل هذه الصناعات كقوة اقتصادية حديثة ورافعة للتنمية الثقافية.لم تقتصر جهود الدكتورة منى على الأروقة الأكاديمية، بل امتدت إلى الفضاء الإعلامي، حيث استضافتها إذاعة شمال سيناء في لقاء إذاعي مميز. تحدثت خلال اللقاء عن خلاصة رحلتها البحثية، والقضايا التي طرحتها، مؤكدةً على أهمية دعم المشروعات الثقافية والصناعات التراثية كجزء لا يتجزأ من الحفاظ على الهوية السيناوية وتعزيز دورها التنموي.إن هذه المشاركات المتتابعة لا تمثل مجرد إنجازات شخصية، بل هي رسالة بحثية قوية من قلب سيناء، تؤكد على ضرورة تقديم خطاب علمي يعلي من قيمة المنطقة في التاريخ الإسلامي، ويبرز دور المرأة السيناوية كقوة فاعلة في المشهد الأكاديمي. وتمثل أعمال الدكتورة منى خطوة منهجية مهمة نحو توثيق التراث السيناوي وتقديمه للعالم برؤية حديثة تربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وتؤمن بأن التاريخ هو أساس التنمية المستدامة.