
إنّ للحديث مع الكبار سحرًا لا يدركه إلا من خبر بواطن الفكر وذاق لذّة العلوّ فمحاورةُ العمالقة ليست ترفًا ذهنيًا ولا متعة عابرة بل طقسٌ معرفى رفيع يتجاوز حدود الكلام ليبلغ مقام الإلهام
فالعظماء لا يلقون كلمات… إنما ينسجون جوهر الحكمة من صلب التجربة
ولا يفتحون أفواههم… بل يفتحون أبوابًا إلى الأكوان الداخلية
وحين تجلس إليهم، تتبدّى لك الحقيقة عاريةً من زيفها مشرقةً بجلالها كأنك لأول مرة ترى العالم على صورته الأصيلة
إنّ محاورةَ العمالقة تشحذُ الهمم وتوقظ الملكات لأنها توقظ فيك ما تجاهلته الأيام ، أنك وُلدت بقدرةٍ على الارتقاء
وأن النفسَ إذا خالطتْ نفوسًا عالية سمتْ وإذا صحبت الدُّون هبطتْ
العظماء لا يُمسكون بيدك… بل يرفعونك إلى مرتبةٍ أعلى
لا يمْلون عليك الطريق… بل يضيئون لك ما غاب عن البصيرة
يختصرون لك من الأعمار ما يضيع فى التيه ويهبونك من النور ما يُبدّد عتمة الروح فما أكثر من يخاطب سمعك
وما أندر من يخاطب جوهرَك
إنها ليست مجرّد محاورة
بل هى لحظة ميلاد جديدة للفكر وارتقاءُ روحٍ واصطفاءٌ لمقامٍ لم يكن ليُفتح لولا مصافحةُ العظماء “قل لي من تُصادق أقلْ لك من أنت”
فالإنسان يُعرَف من خلال أصدقائه لأن الصداقة لا تجمع المتناقضين بل تجمع المتشابهين في القيم والأخلاق والاهتمامات وطريقة التفكير
فما دمتَ تختار أصدقاءك من مستوى معيّن فهذا يعكس ما بداخلك أنت أيضًا فصديقك مرآتك واختياراتك تكشف وعيك وشخصيتك
من يمشي مع الصالح يصبح مثلهم ومن يرافق الفارغين يفرغ معهم
فالصداقة شهادة غير منطوقة على من تكون



