
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلي عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ذكرت المصادر التربوية والتعليمية الكثير عن دور العقل في بناء الانسان أو هلاكه، فقال الشيخ السعدي رحمه الله اعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكارا فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة، وإلا فالأمر بالعكس، وكما أن العقل محل الإعتبار أو الهلاك، وقد جعل الله تعالي إعمال العقل وحسن إستخدامه بيد الإنسان، فمن شاء فليتقدم، ومن شاء فليتأخر، ولا يكون إعمال العقل إلا في التفكير والتذكر، والإعتبار والتدبر، والنظر والتبصر، والعلم والفقه، وكل ذلك جاء الأمر به في كتاب الله عز وجل فيه آيات كثيرة.
كقوله عز شأنه ” ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ” وأكد على أن تعطيل العقل مفض بصاحبه إلى النار، وقد مدح الله تعالي كل أذن خير تعي وتسمع وتطبق كلام الله تعالى فقال ” وتعيها أذن واعية ” أي تفهم هذه النعمة، وتذكرها أذن واعية، وقال ابن عباس رضي الله عنهما هي حافظة سامعة، وقال قتادة عقلت عن الله تعالي فإنتفعت بما سمعت من كتاب الله، وقال الضحاك سمعتها أذن ووعت، أي من له سمع صحيح وعقل رجيح، وهذا عام فيمن فهم ووعى، وفي مقابل ذلك ذم الله كل العيون والآذان والقلوب التي غفلت عن الحق ولم تعيه، فقد جعل القرآن كل من عميت بصائرهم وقلوبهم عن الوعي والفقه كالأنعام بل أضل، فالعقل طريق الى الجنة كما قال الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة، ولا صياما.
ولا حجا ولا إعتمارا، لكنهم عقلوا عن الله مواعظه، وقال بعض الحكماء، خلق الله تعالي الملائكةَ من عقل بلا شهوة وخلق البهائم من شهوة بلا عقل وخلق ابن آدم من كليهما فمن غلب عقله على شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلبت شهوته على عقله فهو شر من البهائم، ولقد كرم الإسلام العقل ورفع العقلاء، بل جعل الله العقل شرطا من شروط التكليف، فمن لا عقل له كالمعتوه والمجنون فلا تكليف عليه، لأن الله إذا أخذ ما وهب أسقط ما وجب، ورفع القلم عن ثلاث ومنهم عن المجنون حتى يفيق، فقلم التكليف كما هو معلوم مرفوع عن المجنون حتى يعقل، لأن العقل هو مناط التكليف، والعقل هو القادر على تفهّم الوحي الإلهي وتدبره والتفكر فيه، وهو الذي يبحث عن مراد الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه، وتذكر المصادر أن القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه.
إلى وجوب العمل به، والرجوع إليه، ولقد أمرنا الله عز وجل في مواضع كثيرة من كتابه بالنظر والتفكر عن طريق التأمل والتدبر وملاحظة وجه الكمال والجمال ومشاهدة الدقة وحسن التنظيم والسنن الكونية نادبا إلى الاعتبار بها، ومثرّبا على الغافلين عنها، وكما دعا الإسلام العقل إلى إتباع البرهان، وأمر بنبذ الجهل والهوى والكبر والتعصب والتقليد الأعمى والجدل بالباطل والخرافات والأوهام والسحر والشعوذة والدجل لأن هذه الآفات كلها تعطل العقل عن وظيفته، وكما دعا إلى تنمية العقول بالحث على التعلم والإستزادة منه، وكما حذر من كل ما يؤدي إلى اضرار العقل، فحرم شرب الخمر وحرم كل مسكر حيث قال صلى الله عليه وسلم “كل مسكر خمر وكل مسكر حرام” وكما أكد على دور العقل في الإجتهاد، ومن ثمرات التفكر هو الإهتداء الى الوحدانية.



