بالرغم من توصل حزب الله وجيش الكيان الصهيوني إلى اتفاق وقف إطلاق نار لمدة ستين يوماً بوساطة أميركية يضع حداً لأعمال القتالية التي استمرت لأكثر من عام، فإن المتأمّلَ لمرشحي إدارة ترامب، خلال فترة رئاسته القادمة، سوف يلاحظ أنهم سيشكلون إدارة لاستمرار الحروب، وليس كما جاء في خطاباته، أثناء حملته الدعائية الانتخابية التي سبقت فوزه، من أنه قادم لإطفاء الحروب في العالم؛ إذ إن جميع المرشحين لإدارته في المناصب الكبيرة والمهمة أعلنوا دعمَ إسرائيل غير المحدود؛ بل أعلنوا رفض حلّ الدولتين بشكل نهائي، وتأييد سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية؛ وهذا مؤشّر واضح على أن الحروب الدائرة في المنطقة سوف تستمر، وقد تتسع دائرتها لتشمل دولاً ليست أطرافاً في الحرب الحالية، على الأقل خلال فترة حكم هذه الإدارة مدة أربع سنوات قادمة، وكأنّ المنطقة بحاجة إلى المزيد من الحروب والدمار. وسوف تحاول هذه الإدارة إيقاف –إن هي استطاعت– التوافقات التي تمّت بين دول المنطقة خلال الفترة السابقة، والتي جرت برعاية صينية خلال رئاسة بايدن لأمريكا. ومن هنا يجب على دول المنطقة التمسك باستمرار التفاهمات التي توصلت إليها، والتي حدَّت من المشاكل التي بينها، والعمل على توسيع تلك التفاهمات لتشمل أكبر عدد من الدول انطلاقاً من احترام مصالحها وسيادة دولها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتطوير علاقاتها في المجالات كافةً بشكل مستقل عما تريده إدارة ترامب؛ وهذا يتطلب جهداً كبيراً وجرأةً في اتخاذ قرارات تتناسب مع المرحلة المقبلة، وإيجاد الثقة فيما بينها، والابتعاد تالياً عن سياسة المحاور، والتركيز بشكل أساسي على المشاريع الاقتصادية التي تتناسب مع إمكانات هذه الدول. وهذا، بطبيعة الحال، سوف يعود بالخير على شعوب هذه الدول بدلاً من استمرار النزاعات والخلافات التي تحرص إدارة ترامب على استمرارها وتوظيفها لتحقيق مصالحها في تنفيذ مشروع إسرائيل الرامي إلى الهيمنة على دول المنطقة.
من هنا، ينبغي على دول المنطقة الاستفادة من التجارب السابقة التي مرت بها، والتي لم تحمل لشعوبها أيّ أخبار جيدة طوال الخمسين عاماً المنصرمة؛ وحريٌّ بها أن تفعل ذلك؛ لأن ما بين شعوبها من مصالح وإمكانات يفوق الخلافات والنزاعات بكثير، وهذا ما يجب الاستفادة منه إن هي أرادت تحقيق الازدهار والسلام لهذه الشعوب.
المستشار/ أسعد محمود الهفل
