مقالات وآراء

التصعيد الهندي الباكستاني:شرارة نووية ونذير بحرب عابرة للحدود 

جريدة الصوت

بقلم احمد شتيه 

باحث فى الشأن الاستراتيجي والأمن القومي 

شهدت منطقة جنوب آسيا مؤخراً تصعيداً خطيراً بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان،

على خلفية اشتباكات حدودية متكررة وتصريحات عدائية متبادلة تثير القلق إقليمياً ودولياً.

وبينما يبدو النزاع محلياً في ظاهره، فإن خلفياته تتجاوز الحدود،

وتتقاطع مع التنافس الجيوسياسي الأكبر بين الولايات المتحدة والصين،

مما يضفي عليه بُعداً دولياً معقداً ويجعله أكثر خطورة مما يبدو.

التوتر بين نيودلهي وإسلام آباد ليس جديداً، لكنه اتخذ منحى أكثر حدة مؤخراً بعد تبادل نيران على خط المراقبة في كشمير،

واتهامات من الجانب الهندي بضلوع جماعات متطرفة مدعومة من باكستان

في عمليات إرهابية داخل أراضيها وفي المقابل، ترفض باكستان تلك الاتهامات،

وتتهم الهند بانتهاك حقوق الإنسان في كشمير الخاضعة لسيطرتها ،

ورافق التصعيد تحركات عسكرية مقلقة،

ما أعاد إلى الأذهان شبح المواجهة النووية بين البلدين في عام 2019.

رغم البعد الجغرافي، إلا أن تداعيات التصعيد بين الهند وباكستان قد تصل إلى منطقة الشرق الأوسط،

التي ترتبط بدول جنوب آسيا بعلاقات استراتيجية واقتصادية وأمنية.

الهند وباكستان تشكلان قوتين اقتصاديتين صاعدتين لهما علاقات متشعبة مع دول الخليج،

كما تحتضن الدول الخليجية ملايين العمال من البلدين،

ما يجعل أي صدام مباشر بينهما مؤثراً على استقرار الأسواق الإقليمية،

وتحويلات العاملين، وإمدادات الطاقة.

بالنسبة لمصر، فإن أي اضطراب في سوق الطاقة أو حركة التجارة العالمية

بسبب التصعيد سينعكس سلباً على اقتصادها،

خاصة في ظل اعتماد قناة السويس على حركة التجارة القادمة من آسيا ،

كما أن القاهرة تسعى في السنوات الأخيرة إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع قوى آسيوية، سواء الهند أو الصين، مما يجعل استقرار المنطقة محل اهتمام مصري خاص.

لا يمكن فصل التصعيد بين الهند وباكستان عن السياق الدولي الأوسع، وبخاصة الصراع المستمر بين واشنطن وبكين ،الهند تُعد شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة في إطار ما يسمى بـ”الرباعية الأمنية” (QUAD) التي تسعى لاحتواء النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. في المقابل، تحافظ باكستان على علاقات استراتيجية متينة مع الصين، والتي تشمل مشاريع اقتصادية ضخمة مثل “الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني” (CPEC).

من هذا المنظور، يصبح النزاع الهندي الباكستاني ساحة غير مباشرة لتصفية الحسابات بين القوتين العظميين و دعم أمريكي قوي للهند يقابله تعميق صيني لعلاقاتها مع باكستان، ما قد يشجع الطرفين على اتخاذ مواقف أكثر تشدداً، ظناً منهما بوجود غطاء دولي.

المخاوف تزداد من انزلاق التصعيد إلى مواجهة مفتوحة، خصوصاً في ظل وجود ترسانتين نوويتين متقابلتين، وصراع دولي محتدم بين قوى كبرى تستخدم الحلفاء الإقليميين كأوراق ضغط على المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، مطالب بلعب دور أكثر فاعلية في نزع فتيل الأزمة، قبل أن تتحول إلى مواجهة كارثية.

يبقى الأمل في أن تظل لغة العقل والحوار هي السائدة، فالعالم اليوم في غنى عن حروب جديدة، خاصة في ظل ما يشهده من اضطرابات اقتصادية وجيوسياسية ممتدة، وتهديدات بيئية وأمنية مشتركة تتطلب التعاون لا التصادم

فهل ستسعى القوى العظمى لحل الصراع ام ستسعى للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الجارتين النوويتين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock