
إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على إمتنانه، ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلّ اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن كثيرا من المشكلات تحدث في حياتنا بسبب الأنانية والأثرة وتفضيل الذات والحسد وإن حلا لهذه المشكلات مطروحا في الكتاب والسنة ألا وهو حب الخير للغير والذي يتجلى في قوله تعالى “إنما المؤمنون أخوة” وقول النبي صلى الله عليه وسلم “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا حتى تحب لأخيك المؤمن ما تحب لنفسك” فمن حقوق الأخوة في الدين أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك ويسرك ما سره ويسوءك ما ساءه ولكن في حياتنا وبين إخواننا هل يسرك ما سره ويسوءك ما ساءه أم ربما يسر أخوك لنجاحه وتميزه وأنت تتميز غيظا لتفوقه ؟
وإن النبي صلى الله عليه وسلم علق كمال الإيمان بتحقيق هذا النوع من الرباط الأخوي ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبُ لنفسه ” عد بعض العلماء إذا لم تحب لأخيك ما تحب لنفسك فقد وقعت في كبيره من الكبائر وفي قول الحبيب صلى الله عليه وسلم “ما يحب لنفسه” يعنى من أمور الدين والدنيا وأحدنا يحب لأخيه أن يدخل الجنة ويدعو له بها ويبخل عليه بدرهم أو دينار ويحسده على علم حصله أو مال أكتسبه أو منصب حازه وكأن الجنة أرخص من هذا كله ولا حول ولا قوة إلا بالله، واعلموا أن الصدق هو عنوان الأنبياء جميعا، وكيف لا وهم رسل الصدق وباعثو أريجه في الناس؟ فكان الصدق والصديقية وسامهم جميعا، فيقول الله عز وجل فى نبيه الخليل إبراهيم عليه السلام كما جاء فى سورة مريم ” واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ” ويقول الله عز وجل فى نبيه إسماعيل عليه السلام.
كما جاء فى سورة مريم ” واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ” ويقول الله عز وجل فى نبيه إدريس عليه السلام كما جاء فى سورة مريم ” واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ” ويقول الله عز وجل فى العذراء مريم عليها السلام كما جاء فى سورة مريم” ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقه ” ويقول الله عز وجل فى نبيه الكريم يوسف عليه السلام كما جاء فى سورة يوسف ” وإنه لمن الصادقين ” فأعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية، وهي كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم، مع كمال الإخلاص للمرسل، وقد أمر الله تعالى رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأله بأن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق، فقال تعالى كما جاء فى سورة الإسراء “وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا ”
وأخبر الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين، فقال تعالى كما جاء فى سورة الشعراء ” واجعل لى لسان صدق فى الآخرين ” وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق، ومقعد صدق، فقال تعالى كما جاء فى سورة يونس ” وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ” وقال سبحانه وتعالى فى سورة القمر ” إن المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر” فهذه خمسة أشياء وهى مدخل الصدق، ومخرج الصدق، ولسان الصدق، وقدم الصدق، ومقعد الصدق، وإن حقيقة الصدق في هذه الأشياء هو الحق الثابت المتصل بالله تعالى الموصل إلى الله عز وجل، وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال، وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة، فمدخل الصدق ومخرج الصدق أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا بالله وفي رضاه.
وأما لسان الصدق فهو الثناء الحسن عليه من سائر الأمم بالصدق، وأما قدم الصدق فهو الجنة، وحقيقة القدم هو ما قدموه، وما يقدمون عليه يوم القيامة، وهم قدموا الأعمال والإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ويقدمون على الجنة التي هي جزاء ذلك، وأما مقعد الصدق فهو الجنة عند الرب تبارك وتعالى، وإن الصدق لا يزال يترقى بصاحبه حتى يرفع منازله في الدنيا ثم في الآخرة بأن يلبسه أعظم تاج وأحسنه بأن يكتب عند الله صديقا, إنها بشرى للصادق بأن يحدد موقعه من الآن، ويحجز مكانه مع الصديقين، في مقعد الصدق، وإن للصدق علامات، ومن علامات الصدق طمأنينة القلب إليه، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك, فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة” رواه الترمذي، فالصادق مطمئن الخاطر مرتاح البال هادئ المشاعر هانئ العيش.



