مقالات وآراء

“تحليل سياسي” يكشف إستحداث منصب منسق العلاقات الصينية الأمريكية فى الشرق الأوسط

تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
مع تزايد ضغوط إدارة الرئيس الأمريكى “ترامب” على كلاً من مصر والأردن بخصوص قضية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لمصر والأردن، وإختلاف التوجهات بين القوتين العظمتين حول العالم (الصين والولايات المتحدة الأمريكية)، ومع إفتقار أى تنسيق رسمى بين القوتين العظمتين الصينية والأمريكية. باتت الحاجة ملحة لإستحداث منصب جديد مهمته (تنسيق العلاقات الصينية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط)، خاصةً فيما يتعلق بقضايا الملاحة البحرية العالمية والمضائق البحرية وحرب غزة وإعادة إعمارها ودور إيران فى المنطقة وغيرها.
وأتذكر أننى قابلت السفير الأمريكى الأسبق بالقاهرة “توماس هولدربرجر” فى حفلة العيد القومى للسفارة الصينية بالقاهرة فى فندق “نايل ريتز كارلتون” وأعتقد أن ذلك كان قبل عام ٢٠١٨، وإلتقطت صور معه ومع السفير الصينى السابق بالقاهرة “سونغ آيقوه” وقمت بنشرها على الملأ لإستطاعتى التصوير مع كليهما فى قلب القاهرة، وهما القوتين العظمتين المتنافستين حول العالم وبالأخص فى منطقة الشرق الأوسط. مع ملاحظتى مقاطعة سفراء الولايات المتحدة الأمريكية المشاركة وحضور أى إحتفالات قومية صينية فى القاهرة بعد ذلك أو أى دولة عربية، وكأنه بات تقليداً أمريكياً ثابتاً فى مقاطعة الأعياد والمناسبات القومية الصينية، كرسالة أمريكية مباشرة للصين بقطع وتوتر العلاقات معها، وهو الأمر الذى إستوقفنى وبشدة.
إلا أن أهم حوار دار بينى وبين السفير الأمريكى الأسبق بالقاهرة “توماس هولدربرجر” بعد ذلك، وهو ما أدهشه وقتها على المستوى الشخصى بالنظر لعدم سخونة الأحداث الدائرة حينها فى منطقة الشرق الأوسط مثلما نشهده الآن فى الوقت الحالى، مع حرصى على إرسال صورتى معه ومع السفير الصينى السابق بالقاهرة “سونغ آيقوه” كما نوهت عن ذلك من قبل. ألا وهو: لماذا سيدى السفير “هولدربرجر” لا يتم إستحداث منصب منسق العلاقات الصينية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط؟، وهو ما كان مصدر دهشة للسفير الأمريكى “توماس هولدربرجر” حينئذ. ورد على حينها السفير “هولدربرجر” بشكل رسمى بأنه لا يوجد فى الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً مثل هذا المنصب ولا يظن أنه يمكن إستحداثه بأى شكل من الأشكال.
وعلى المستوى الشخصى، ومع توتر علاقاتى بعد ذلك بالجانب الأمريكى، نظراً لإختلاف مواقفنا بشأن الصين والقضايا الخلافية محل النزاع بينهما ومع قربى الشديد من السياسات الصينية ودفاعى عنها كأكاديمية دولياً وعلى موقع “المودرن دبلوماسى” باللغة الإنجليزية للتحليلات السياسية العالمية، ونشرى لآلآف التحليلات والأبحاث والمقالات واللقاءات المنشورة فضلاً عن ترجماتها المختلفة فى كل مكان حول العالم، وكلها متحيزة للصين من وجهة النظر الأمريكية، وهو ما كان محل خلاف بيننا. ولكن مع الأغرب بالنسبة لى، ألا وهو حرص الجانب الأمريكى بشكل مستمر على إرسال دعوات رسمية لى لحضور حفلات رسمية أمريكية ودعوتى رسمياً لحضور العيد القومى الأمريكى فى قلب السفارة الأمريكية بالقاهرة. إلا أننى ظللت ثابتة على موقفى فى مقاطعة كل ما له علاقة بالولايات المتحدة الأمريكية، نظراً لأخذى جانب وصف الصين فى خلافاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، كإبنة للصينيين وفق تقديم نفسى الدائم للأمريكيين وللمجتمع الدولى بأسره.
والأغرب والأدهش وما سأكشف عنه اليوم، هو الحرص الشديد والدائم وحتى هذه اللحظة وبشكل يومى مستمر من قبل الجانب الأمريكى على موافاتى بإستمرار بوجهة النظر الأمريكية كاملة بشأن كل القضايا الخلافية مع الصين. بل ومجئ باحثين من طرفهم لإقناعى بتبنى وجهة النظر الأمريكية ودفاعى عنها، بشأن: القضايا الخلافية بين بكين وواشنطن حول التكنولوجيا الرقمية وبحر الصين الجنوبى وتايوان، وغيرها. وهو ما قوبل بالرفض التام من خلالى لمن جاء خلفى لمحاولة إقناعى بتبنى وجهة النظر الأمريكية تجاه الصين فى مختلف تلك القضايا الخلافية المثارة بينهما.
وبعد تقديمى مقترحاتى للسلام الدولى والإقليمى والدينى والطائفى الشامل بين جميع القوى السياسية العظمى والإقليمية حول العالم وفى منطقة الشرق الأوسط فى المقال السابق مباشرةً على موقع “المودرن دبلوماسى” للتحليلات السياسية العالمية بتاريخ ١٦ فبراير ٢٠٢٥، وترجمتى له بالعربية إلى القيادات السياسية والإستخباراتية والعسكرية العربية والرأى العام العربى والإسلامى، وإقتراحى الدقيق الشامل المقدم لتحقيق السلام الإقليمى والعالمى الشامل فى منطقة الشرق الأوسط تحت عنوان مقالتى السابقة فى موقع المودرن دبلوماسى للتحليلات السياسية، حول: (إتفاقية سلام وتطبيع العلاقات رسمياً بين إيران وإسرائيل برعاية صينية مقابل الحفاظ على أمن قناة السويس المصرية ووقف عملية تهجير سكان قطاع غزة). وهو المقال أو ذاته الإقتراح الذى لقى صدى واسع جداً بين جميع القوى والأطراف المعنية الدولية والإقليمية، وكان موضع ترحيب من الطرفين الأمريكى والصينى ذاته.
لذا تشجعت اليوم مرة أخرى، كى أطرح على إدارة الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” مرة أخرى ضرورة إستحداث منصب “منسق العلاقات الصينية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط”. مع إعترافى لأول مرة عالمياً بمشاركتى فى مباريات سياسية دولية رفيعة المستوى على مدار عدة أيام وعدة مراحل تضم أبرز الأكاديميين والخبراء والباحثين حول العالم كله – من الذين تم إختيارهم بعناية دولية فائقة – لتمثيل كافة خطوط ومراحل الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وطرق تصعيد الخلافات بينهم وكيفية حلها والتعامل معها. وكنت أنا الأكاديمية والباحثة الوحيدة التى تم دعوتها من المنطقة العربية للمشاركة فى نموذج محاكاة الصراع والتنافس الدائر بين واشنطن وبكين على مدار عدة مراحل وأيام متتالية. وهو ذاته نموذج المحاكاة الذى كان موضع دهشة للصينيين أنفسهم، مع مشاركة أبرز الأكاديميين والخبراء والباحثين الأمريكان والأوروبيين فيه ودعوتى رسمياً لتمثيل دور أحد أعضاء المكتب السياسى للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، وتمثيل كيفية رده على الجانب الأمريكى والغربى تجاه كافة ومختلف القضايا الخلافية المثارة بين الطرفين الصينى والأمريكى.
وكما تفهمون وفهمتهم جميعاً الآن، لقد كنت عنصراً أساسياً وأكاديمياً وبحثياً ثابتاً فى كافة وجميع القضايا الخلافية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بالنظر لتخصصى الدقيق فى الشأن السياسى الصينى وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين على مدار أكثر من ٢٠ عام، وهى نفسها عنوان أطروحة الدكتوراه الخاصة بى، وتنوع دراستى ما بين جامعة بكين الصينية وحصولى على دراسات ما بعد الدكتوراه فى الشؤون السياسية الصينية وشئون الشرق الأوسط من جامعة لوند بالسويد، ودعوتى رسمياً فى السويد لتأليف كتابى الدولى الهام باللغة الإنجليزية، بعنوان: “تأثير الأقليات اليهودية ومراكز الفكر الإسرائيلية فى الصين على الأمن القومى العربى”.
وهو ذاته الكتاب الذى كرس من حجم الخلاف بينى وبين الولايات المتحدة الأمريكية واللوبى اليهودى فى واشنطن رسمياً، بالنظر إلى رؤيتهم لى بأننى تبنيت وجهة النظر الصينية فى مواجهة الأمريكية واليهودية بشأن هذا الملف الخطير والحساس بين الطرفين، الخاص بقضايا تهويد الصينيين من إقليم الكايفنغ الصينى وتجنيدهم فى الجيش الإسرائيلى، ومطالبتى وزارة الدفاع الصينية بمخاطبة نظيرتها الإسرائيلية لطرد الصينيين المتهودين من كافة المؤسسات العسكرية الإسرائيلية تجنباً لحساسية العلاقات الصينية العربية والإسلامية فى المستقبل مع خدمة عدد من المواطنين الصينيين المتهودين فى الجيش الإسرائيلى والمؤسسات العسكرية الإسرائيلية، مما قد يؤدى لإمكانية تصعيد أحدهم وحدوث مواجهة متوقعة مع العالم العربى والجانب الفلسطينى، وسيبقى السؤال المثار حينئذ: مع من نحارب هل نحارب الصينيين أنفسهم أم الإسرائيليين؟
فكان كتابى الدولى المشار إليه حول ملف تهويد الصينيين وتجنيدهم فى الجيش الإسرائيلى، من أهم الكتب والتحليلات الدولية لدرجة شراء جامعة هارفارد الأمريكية المصنفة الأولى أمريكياً وعالمياً وكافة الجامعات الأمريكية والعالمية المصنفة الأولى عالمياً لنسخ منه، بالنظر لخطورة طرحه وحساسية أفكاره.
ورغم ذلك، فربما كان هذا الكتاب نفسه المشار إليه سبباً رئيسياً وحقيقياً فى تقديمى للوبى اليهودى فى واشنطن والجانب الأمريكى رسمياً، بأننى مقربة من الدوائر الصينية فى مواجهتهم لتبنى وجهة النظر الصينية فى مواجهة الأمريكية وربما لخلق حالة من العداء والتنافس بين الصين واللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما يمكننى الرد عليه، بأننى مجرد أكاديمية وباحثة ومحللة لدى خبرة طويلة فى هذا المجال الأكاديمى والبحثى المتعلق بالصين وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين على مدار سنوات طويلة للغاية، وكنت حرفياً وبشكل دقيق قريبة من جميع الملفات والقضايا الشائكة بين الطرفين، مع حرص كل طرف منهما على إمدادى بشكل دائم ومستمر بوجهة نظره فى مواجهة الطرف الآخر.
وبناءً عليه، ربما كانت تلك المقدمة التعريفية الطويلة حول نفسى للتعرف على بشكل أكاديمى وبحثى واضح، مع حرص عدد كبير من الدبلوماسيين الأجانب والآسيويين للقائى والإستماع لوجهة نظرى كاملة فى القاهرة حول علاقات الصين بالولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وفهم وجهة نظر الصين الكاملة من خلالى. وكأن ذلك بات تقليداً ثابتاً لدى عدد كبير من الدبلوماسيين والسفراء الأجانب والآسيويين فى القاهرة وتفويضهم للقائى لشرح والإستماع لوجهة نظرى كاملة بشأن علاقات الصين بالولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط ورؤيتى المستقبلية لتطور الصراع بينهم. مع حرص كافة الأطراف المعنية الدولية بإشراكى فى جميع الرؤى المقدمة والمقترحة لإدارة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.
وبناءً على تفهمكم التام لذلك المسار الدائر من صراع وتنافس بين واشنطن وبكين فى منطقة الشرق الأوسط، ودورى كأكاديمية وباحثة ومحللة وأستاذة جامعية مصرية متخصصة فى الشأن السياسى الصينى وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين فى هذا الإطار، لذا أكرر طلبى اليوم لجميع الأطراف المعنية الصينية والأمريكية بضرورة البدء فوراً وإتخاذ إجراءات ملموسة وخطوات عاجلة لإستحداث منصب “منسق العلاقات الصينية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط”. مع تذكيرى الجانب الأمريكى بالأساس، بإنفتاح الصينيين على الحوار معكم، فعند فوز الرئيس الأمريكى “ترامب” فى الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، فقد أرسل الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لبرقية تهنئة للرئيس “ترامب”، وأعلن المتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينى “ماو نينغ”، بأن السياسة الصينية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية متسقة وسيتم النظر إلى العلاقات الصينية – الأمريكية والتعامل معها وفقاً لمبادئ الإحترام المتبادل والتعايش السلمى والتعاون المربح لكلا الجانبين.
ومن وجهة نظرى المتواضعة، فتكمن خطورة وأهمية وإستراتيجية موافقة الجانب الأمريكى على إستحداث هذا المنصب كمنسق للعلاقات الصينية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، خاصةً فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى”ترامب” مع إعتقادى بترحيب الصينيين بذلك، بأنه يجب على الجانب الأمريكى أن يعى جيداً ويفهم، بأنه على مدار العقد الماضى قامت الدول العربية بتحويل سياستها الخارجية وأهدافها الإستراتيجية تدريجياً نحو الشرق. وكانت عملية إعادة التوجيه هذه تهدف إلى موازنة العلاقات الخارجية بين العالم العربى والقوى العالمية الجديدة، وعلى رأسها الصين، فضلاً عن الإقتصاديات الناشئة، كالهند وروسيا. وكان لهذه الجهود تأثير كبير فى ديناميكيات الشرق الأوسط. فبشكل خاص كان تعميق الشراكات الإستراتيجية، خاصة مع الصين ومبادرتها للحزام والطريق، سبباً فى تغيير قواعد اللعبة وإعادة تشكيل الشراكات الإقليمية بالشرق الأوسط. حيث تمثل الصين اليوم شريكاً إقتصادياً رئيسياً لمعظم دول المنطقة. وحتى على صعيد الحرب الدائرة فى قطاع غزة، فلقد قدمت بكين العديد من الإقتراحات لإيقاف الحرب على غزة، وجمعت بين حركتى حماس وفتح، ودعت الصين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى تهدئة الصراع، كما إقتنصت الصين فرصة إنعقاد إجتماعاتها مع وزراء الخارجية العرب والخليجيين لإعادة التأكيد على خطط السلام المتعددة التى إقترحتها من قبل.
كما برزت الصين كلاعب مهم فى الشرق الأوسط فى الآونة الأخيرة، وظهر ذلك خلال الوساطة الصينية فى العديد من القضايا التى تخص الشرق الأوسط، كالوساطة الصينية فى حرب السودان، والمصالحة بين السعودية وإيران بعد عداء طويل، وأخيراً الوساطة الصينية فى القضية الفلسطينية، وكما نوهت فى مقالى السابق مباشرةً على موقع المودرن دبلوماسى للتحليلات السياسية العالمية، فمن المتوقع كذلك أن تقود الصين لإتفاقية سلام كبرى بين الجانبين الإسرائيلى والإيرانى، ثمناً لعودة الإستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، ولتقديم الصين لنفسها كراعية للسلام العالمى والإقليمى وقائدة للحوار بين الجنوب – الجنوب. وفى حالة نجاح الصين فى توقيع إتفاقية السلام المتوقعة فى الوقت الراهن كما نوهت عن ذلك من قبل بين إيران وإسرائيل، سيكون ذلك حتماً مقروناً معه وبالتبعية ضرورة تنسيق رسمى للعلاقات بين واشنطن وبكين فى المنطقة، عبر إستحداث منصب منسق العلاقات الصينية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، كما حللت ذلك بالتفصيل.
كما أنه بالنظر لقربى من كافة المؤسسات والدوائر الأكاديمية والبحثية دولياً المعنية بالشئون السياسية الصينية، فنجد أنه فى الوقت الحالى، يشيع الحديث في أوساط الأكاديميين والخبراء الأوروبيين والأمريكان أنفسهم المعنيين بالشئون السياسية الصينية مثلى، عن إحتمالات التعاون بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية إزاء قضايا الشرق الأوسط. مع ما لكلاً من القوتين العظمتين الصينية والأمريكية من مصالح راسخة فى منطقة الشرق الأوسط، مع تنامى الإضطرابات المزمنة وتنامى مخاطر قيام حرب إقليمية شاملة بعد حرب غزة الأخيرة فى أكتوبر ٢٠٢٣، ما يجعل التعاون بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حاجة ملحة، لا مجرد خيار بين الطرفين. ومن وجهة نظرى المتواضعة، فيجب أن يكون منطق التعاون بديهياً لصناع القرار فى واشنطن خاصةً فى الوقت الراهن.
فتنسيق المواقف خلال الوضع الراهن بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بات أمراً ضرورياً، فالمطلب الرئيسى الأمريكى الآن تجاه الصين، هو أن تستخدم بكين نفوذها على بعض الأطراف الإقليمية، ومنها إيران، لدفعها نحو التهدئة وإحتواء حرب إقليمية فى مواجهة إسرائيل. وفيما تؤيد الصين هذا الهدف بشكل عام، فإنها تتبنى وجهة نظر مغايرة تماماً حيال سبب عدم الإستقرار فى منطقة الشرق الأوسط وترجعه إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الإسرائيلية.
إذ ترى الصين أن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى ينبع فى الأساس عن عقود من الظلم تجاه الفلسطينيين، بينما تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع المسألة من منظور أمنى إسرائيلى وتسعى لحلها من هذا المنطلق. وعلى الجانب الآخر المتعلق بقضية الأمن المائى والملاحى وحركة الملاحة البحرية والشحن عالمياً فى البحر الأحمر، فلقد طلبت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل من الجانب الصينى مساعدتها بعد إستهداف الحوثيون الموالين لإيران حليفة الصين لسفن شحن مرتبطة بإسرائيل قرب مضيق باب المندب الإستراتيجى وخليج عدن، وحينها طلب المسؤولون الأمريكيون من الجانب الصينى رسمياً مساعدتهم فى تهدئة الوضع من خلال طلبها من إيران إحتواء الحوثيين التابعين أو الموالين لإيران بإعتبارها حليفة للصين.
كما أنه بعد قصف إسرائيل لمبنى السفارة الإيرانية فى سوريا فى أبريل ٢٠٢٤، طلب مسؤولون وخبراء أمريكيون مجدداً من بكين المساعدة على إحتواء تداعيات الهجوم الإسرائيلى على مقر السفارة الإيرانية فى سوريا والمساعدة فى إحتواء الوضع.
كما أن المنطق الصينى يقوم على سياسة التعايش السلمى والحوار الحضارى والتنموى بين كافة أطرافه وفقاً لمبدأ الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” المعروف بمبدأ (رابح – رابح) والمنفعة المتبادلة بين الجميع. ومن هنا فإن مبدأ الرئيس”شى” هو الأنسب فى ظل هذه الظروف والمرحلة الراهنة فى ضرورة خلق آلية للتعاون والتنسيق بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وشئونها وقضاياها الملتهبة بشكل مستمر، خاصةً فيما يتعلق بالعلاقات السياسية داخل المنطقة، والتفاعلات بين دول المنطقة، بما يفضى إلى نوع من التكامل الإقتصادى والسياسى الفعال والعملى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يصب فى مصلحة جميع الأطراف الإقليمية والدولية نفسها. وعلى الجانب الآخر، تتوافق بعض مصالح الصين في المنطقة مع المصالح الأمريكية ذاتها. فالصين تسعى وراء إستقرار السوق فى منطقة الشرق الأوسط من أجل الحفاظ على وصولها الإقتصادى إلى المنطقة وتعزيز التدفق الحر للتجارة. ولتحقيق هذه الأهداف، نشرت الصين فرق عمل بحرية لمكافحة القرصنة فى المياه الدولية، وهو ما يخدم الجانب الأمريكى فى حد ذاته الساعى لتأمين التدفق الحر والآمن لسلاسل التجارة العالمية والشحن عالمياً فى مناطق المضائق البحرية ولتأمين خطوط الملاحة البحرية فى منطقة الشرق الأوسط وعالمياً، وهو ما يتوافق فيه الجانبين الصينى والأمريكى مع بعضهما البعض.
وبناءً على تحليلى السابق المشار إليه، يبقى إستحداث منصب (منسق العلاقات الصينية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط) أمراً ضرورياً وملحاً ويجب أن يكون جدياً بين الطرفين الصينى والأمريكى، خاصةً مع حرص جميع الحكومات والأنظمة العربية وفى منطقة الشرق الأوسط على تحقيق التوازن بين بكين وواشنطن، لذلك يجب على صانعى السياسات والقرارات فى الولايات المتحدة الأمريكية تحقيق وخلق هذا التوازن فى علاقاتها بالصين، عبر خلق نموذج للتعايش السلمى والحضارى والثقافى بين القوتين العظمتين الصينية والأمريكية بخلق وإستحداث منصب منسق العلاقات الصينية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، تجنباً لأى تصعيد خطير أو محتمل فى المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock