دين ومجتمع

حب لم يشهد الكون علويه وسفليه مثله

جريدة الصوت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحابته والتابعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد عن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الإمام مالك بن أنس رحمه الله وقد سئل عن أيوب السختياني “ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه، وقال وحج حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه” وقال مصعب بن عبد الله كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه.

وقال ثابت البناني لأنس بن مالك رضي الله عنه أعطني عينيك التي رأيت بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبلها، ولكن لماذا كل هذا الحب ؟ فهو سؤال يطرح ويكرر فإنه حب لم يشهد الكون علويه وسفليه مثله، فهو صلى الله عليه وسلم رجل كل شيء في الكون يحبه السماء بمن فيها والأرض بمن عليها كل يحبه ويشتاق إليه فما أعظمه من رجل وما أجله من نبي وأعزه من رسول صلى الله عليه وسلم، ولقد نال رسول الله المصطفي صلى الله عليه وسلم كل هذا الحب وهو قليل في حقه، لأنه جمع خصال وصفات لم ولن تجتمع في غيره من بني البشر، ومن عظيم ما حباه الله تعالي إياه من جميل الصفات وكريم الخصال صلوات ربي وسلامه عليه، هو عظم بركته وخيره صلى الله عليه وسلم على جميع المخلوقات، فقد كان مولده صلى الله عليه وسلم بشارة خير ونور.

وبكرة وضياء للكون بأسره فقد رأت أمه السيدة آمنه بنت وهب حين وضعته نورا أضاءت منه قصور الشام وجاء صلى الله عليه وسلم بالدين الذي إذا أقيم واقعا في الحياة صبت السماء بركاتها وأخرجت الأرض خيراتها، فما أعظم بركاته صلى الله عليه وسلم فهي بركات ينعم بها الطير والحيوان والدواب والنبات والإنسان، فأقل ما تهبه هذه المخلوقات لهذا النبي الكريم المصطفي صلى الله عليه وسلم هو الحب الصادق فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ولقد كانت عظيم رحمته صلى الله عليه وسلم بجميع المخلوقات، حيث يقول الله تعالى ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” وكما قال الله تعالى ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ” فهي رحمة الله تعالي التي نالته ونالتهم، فجعلته صلى الله عليه وسلم رحيما بهم، لينا معهم.

ولو كان فظا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب ولا تجمعت حوله المشاعر، فالناس في حاجة إلى كنف رحيم وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الإهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء، وهكذا كان قلب رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت حياته مع الناس، ما غضب لنفسه قط، ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا إحتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاض عليه صلى الله عليه وسلم من نفسه الكبيرة الرحيبة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock