
بقلم: طارق فتحى السعدنى
تتسارع وتيرة الأحداث في عالمنا المعاصر،
وتتزايد القضايا المعقدة، وأصبح الصمت أو الامتناع عن التعليق رد فعل شائعًا في العديد من الحالات.
قد يكون هذا الصمت ناتجا عن الحذر، أو الخوف من العواقب، أو ببساطة لعدم الرغبة في المشاركة.
لكن ما هو تأثير هذا الصمت على المجتمعات؟
هل هو مجرد تعبير عن اللامبالاة،
أم أنه استراتيجية مقاومة أو نضج اجتماعي؟
في هذا المقال، سنتناول تأثير “لا تعليق” على المجتمعات في مختلف السياقات الاجتماعية والسياسية.
الصمت كآلية دفاعية :
في العديد من الأحيان، يختار الأفراد أو الجماعات “لا تعليق” كوسيلة للحماية من التبعات المحتملة.
قد يكون ذلك في مواجهة قضايا شائكة مثل الفساد أو الظلم،
حيث يفضل البعض عدم إبداء الرأي لتجنب الانتقام أو التداعيات الاجتماعية السلبية.
ونجد في الدول التي تعاني من قمع سياسي،
قد يكون الصمت هو الوسيلة الوحيدة للنجاة، في ظل خوف الناس من السلطات.
تأثير الصمت على الحريات العامة :
عندما يصبح الصمت سمة للمجتمع بشكل عام،
قد يتسبب ذلك في تآكل الحريات العامة. المجتمع الذي يتجنب التعليق على القضايا السياسية والاجتماعية
قد يساهم في تعزيز نظام غير ديمقراطي، ويزيد من تهميش قضايا حقوق الإنسان.
و في بعض البلدان، يؤدي تجنب النقاشات السياسية إلى الحفاظ على الأنظمة الاستبدادية لفترات طويلة،
مما يعمق الفجوة بين الحكومات والشعب.
التجاهل كأداة لتجنب مواجهة القضايا الحقيقية :
أحيانًا يكون “لا تعليق” وسيلة لتجنب مواجهة مشاكل حقيقية مثل الفقر، التمييز، أو التغير المناخي. المجتمعات التي تتجاهل القضايا الكبرى غالبًا ما تستمر في التدهور بدلاً من اتخاذ خطوات إصلاحية.
ونرى في ظل أزمة التغير المناخي، قد تظل بعض المجتمعات صامتة أو مترددة في اتخاذ إجراءات جادة، مما يفاقم الأضرار البيئية.
اللامبالاة الاجتماعية وتأثيرها على التضامن المجتمعي :
الصمت الاجتماعي يمكن أن يقود إلى غياب التضامن بين أفراد المجتمع.
عندما لا يتفاعل الناس مع القضايا التي تؤثر على الآخرين، قد يتقلص التعاون الاجتماعي وتضعف الروابط بين أفراد المجتمع.
لنرى في المجتمعات التى تواجه أزمات اقتصادية أو صحية،يمكن أن يؤدي غياب التعليقات أو المبادرات إلى زيادة الانقسام الاجتماعي.
الصمت كنوع من الحكمة أو النضج :
على الجانب الآخر، قد يكون “لا تعليق” خيارًا ناضجًا في مواقف معينة. في بعض الأحيان، لا يكون الرد الفوري أو الانغماس في الجدل هو الحل،بل قد يكون الصمت هو التصرف الأكثر حكمة، خاصة في الأوقات التي تتطلب التفكير العميق أو عندما تكون الردود السطحية غير مفيدة.
ففي حالات النزاع أو التوتر، قد يؤدي عدم التعليق إلى تجنب تصعيد الموقف.
في الختام، نجد أن تأثير “لا تعليق” على المجتمعات ليس أحاديا.
فبينما قد يمثل الصمت في بعض الحالات دفاعا أو حكمة،يمكن أن يؤدي أيضا إلى تفشي القضايا غير المحلولة، وتعميق الانقسامات، وتراجع المسؤولية الاجتماعية.
من الضروري أن يكون لدينا الوعي حول متى يكون الصمت مناسبا ومتى يصبح وسيلة لإخفاء الواقع أو الهروب منه. المجتمع الذي يواجه تحدياته بشجاعة وشفافية،بعيدا عن الصمت المتعمد، هو المجتمع الذي يبني مستقبله بثقة واستدامة.