دين ومجتمع

جزاء الأخوة الصافية الخالصة 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن الأخوة في الإسلام، وإن الأخوة والألفة بين المؤمنين لتبقى معهم في دنياهم وفي برزخهم أيضا، كما جاء في الأثر ” إن أرواح المؤمنين تتزاور في البرزخ ” وأما إذا أنعم الله على الأخوين بدخول الجنة فإخوتهم هناك تختلف عن أخوة الدنيا، فهي أخوة صافية خالصة جاءت بعد نزع الأحقاد والضغائن التي بقيت من آثار الدنيا، وإن الأخوة في الله لا تؤتي أكلها وتجني ثمرتها.

 

ما لم تكن في الله ولله، فهي قرينة الإيمان لا تنفك عنه، ولذا جمع الله بينهما في قوله سبحانه وتعالي ” إنما المؤمنون أخوة ” ويقول العلامة ابن سعدي رحمه الله هذا عقد عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ما يحبونه لأنفسهم ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم، وإن من الأمثلة التي تصور أصالة الأخوة وإرتباطها بالدين والإيمان موقف مصعب بن عمير رضي الله عنه مع أخيه أبا عزيز الذي قدم مع معسكر المشركين يوم بدر، فتحركت في نفس مصعب رضي الله عنه أواصر الأخوة الإسلامية حينما تعارضت مع أخوة النسب، ويقول أبو عزيز مر بي أخي مصعب بن عمير، ورجل من الأنصار يأسرني.

 

فقال مصعب لأخيه في الإسلام من الأنصار شد يديك به، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك، فقال له أخوه في النسب أبو عزيز يا أخي أهذه وصاتك بي، فقال مصعب رضي الله عنه إنه أخي دونك، وإن العلاقة بين الحب والتآخي علاقة وثيقة لحمتها العقيدة، فكل من عقد الله بينك وبينه عقد الأخوة يستحق منك مبادلته بلوازم الحب في الله تعالي، وكل من يعاملك بالمحبة الإيمانية، يستوجب عليك حقوق الأخوة الإسلامية وإن الميزان الضابط لمفهوم الأخوة والذي لا يتم الإيمان إلا به ما بينه صلى الله عليه وسلم بقوله ” والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير” ويعلق الكرماني رحمه الله على الحديث بقوله ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر، ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه إكتفاء.

 

ولقد حث المصطفى صلى الله عليه وسلم الأخ إذا أحب أخاه أن يعلمه بتلك المكانة والمنزلة، وقال عليه الصلاة والسلام ” إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله، فليخبره أنه يحبه لله ” وفي رواية ” فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة ” وإن مما يعبر عن صدق الأخوة وحقيقة الألفة ما يقدمه الأخ لأخيه من دعوات صالحة، حيث لا يسمعه ولا يراه، وحيث لا شبهة للرياء أو المداهنة، يقول صلى الله عليه وسلم، دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل ” رواه مسلم، ويقول النووي رحمه الله وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعوا لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة، لأنها تستجاب ويحصل له مثلها، وإعلم أنها وثاق الأخوة لا يستمر إلا بالتماس الأعذار وإقالة العثرات والتفاضي عن الزلات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock