
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن قيس بن زهير بن جذيمة العبسي صاحب الفرسين داحس والغبراء،
وقيل في القتال الطويل الذي دام سنوات أن بنو عبس إقتتلوا مع بنو شيبان، فإنهزمت بنو شيبان، وقيل أنه سارت بنو عبس إلى هجر ليحالفوا ملكهم وهو معاوية بن الحارث الكندي فعزم معاوية على الغارة عليهم ليلا، فبلغهم الخبر فساروا عنه مجدين، وسار معاوية مجدا في أثرهم، فتاه بهم الدليل على عمد لئلا يدركوا عبسا إلا وهم قد لحقهم ودوابهم النصب، فأدركوهم بالفروق فإقتتلوا قتالا شديدا فإنهزم معاوية وأهل هجر.
وتبعتهم عبس فأخذت من أموالهم وقتلوا منهم ما أرادوا ورجعوا سائرين، فنزلوا بماء يقال له عراعر عليه حي من قبيلة كلب، فركبوا ليقاتلوا بني عبس، فبرز الربيع وطلب رئيسهم فبرز إليه، واسمه مسعود بن مصاد، فاقتتلا حتى سقطا إلى الأرض وأراد مسعود قتل الربيع فإنحسرت البيضة عن رقبته، فرماه رجل من بني عبس بسهم فقتله، فثار به الربيع فقطع رأسه وحملت عبس على كلب والرأس على رمح، فإنهزمت كلب وغنمت عبس أموالهم وذراريهم، فساروا إلى اليمامة فحالفوا أهلها من بني حنيفة وأقاموا ثلاث سنين، فلم يحسنوا جوارهم وضيقوا عليهم فساروا عنهم، وقد تفرق كثير منهم وقتل منهم وهلكت دوابهم ووترهم العرب، فراسلتهم بنو ضبة وعرضوا عليهم المقام عندهم ليستعينوا بهم على حرب تميم، ففعلوا وجاوروهم.
فلما إنقضى الأمر بين ضبة وتميم تغيرت ضبة لعبس وأرادوا إقتطاعهم، فحاربتهم عبس فظفرت وغنمت من أموال ضبة، وسارت إلى بني عامر وحالفوا الأحوص بن جعفر بن كلاب، فسر بهم ليقوى بهم على حرب بني تميم لأنه كان بلغه أن لقيط بن زرارة يريد غزو بني عامر والأخذ بثأر أخيه معبد، فأقامت عبس عند بني عامر، فقصدتهم تميم وكانت وقعة شعب جبلة، ثم إن ذبيان غزوا بني عامر بن صعصعة وفيهم بنو عبس فاقتتلوا، فهزمت عامر وأسر قرواش بن هني العبسي ولم يعرف، فلما قدموا به الحي عرفته امرأة منهم، فلما عرفوه سلموه إلى حصن بن حذيفة فقتله، ثم رحلت عبس عن عامر ونزلت بتيم الرباب، فبغت تيم عليهم، فاقتتلوا قتالا شديدا وتكاثرت عليهم تيم فقتلوا من عبس مقتلة عظيمة، ورحلت عبس وقد ملت الحرب وقلت الرجال والأموال وهلكت المواشي.
فقال لهم قيس ما ترون ؟ قالوا نرجع إلى أخوالنا من ذبيان فالموت معهم خير من البقاء مع غيرهم، فساروا حتى قدموا على الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، وقيل على هرم بن سنان بن أبي حارثة ليلا، وكان عند حصن بن حذيفة بن بدر، فلما عاد ورآهم رحب بهم وقال من القوم؟ قالوا إخوانك بنو عبس وذكروا حاجتهم، فقال نعم وكرامة أعلم حصن بن حذيفة، فعاد إليه وقال طرقت في حاجة، قال أعطيتها، قال بنو عبس وجدت وفودهم في منزلي، قال حصن صالحوا قومكم وأما أنا فلا أدي ولا أتدي، قد قتل آبائي وعمومتي عشرين من عبس، فعاد إلى عبس وأخبرهم بقول حصن وأخذهم إليه، فلما رآهم قال قيس والربيع بن زياد نحن ركبان الموت، قال بل ركبان السلم، إن تكونوا إختللتم إلى قومكم فقد إختل قومكم إليكم، ثم خرج معهم حتى أتوا سنانا فقال له قم بأمر عشيرتك.
وأصلح بينهم فإني سأعينك، ففعل ذلك وتم الصلح بينهم وعادت عبس، وقيل إن قيس بن زهير لم يسر مع عبس إلى ذبيان وقال لا تراني غطفانية أبدا وقد قتلت أخاها أو زوجها أو ولدها أو ابن عمها، ولكني سأتوب إلى ربي، فتنصر وساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب بها زمانا، فلقيه حوج بن مالك العبدي فعرفه فقتله، وقال لا رحمني الله إن رحمتك، وقيل إن قيس تزوج في النمير بن قاسط لما عادت عبس إلى ذبيان، وولد له ولد اسمه فضالة، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم وعقد له على من معه من قومه وكانوا تسعة وهو عاشرهم، وهنا إنقضى حرب داحس والغبراء.