مقالات وآراء

مخدر الاغتصاب يهدد استقرار البيوت العربية

الأديبة والمفكرة الدكتورة حكيمة جعدوني

انتشر مؤخرا ما يعرف بمخدّر الاغتصاب في بعض الدول العربية، مثل مصر والجزائر. هذا المخدّر عبارة عن محلول شفاف مائي عديم الطعم والرائحة، يؤدي إلى انهيار عصبي للشخص عند تعاطيه ويجعله مستسلما وغير قادر على المقاومة.

الهدف من دخوله إلى المجتمعات العربية، هو فتح الباب على مصراعيه أمام سلسلة من الجرائم والفتن، بما في ذلك الاغتصاب، وهذا ما يؤدي إلى توتر المجتمع بشكل كبير. ومن المستفيد من ذلك؟ غالبا الدول المستغلّة أو السابقة المستعمرة، التي تسعى لإشغال الدول العربية بمشاكل داخلية بينما تمرّر مشاريعها وخططها بعيدا عن الرقابة.

فإن تأثير العلاقات السابقة على جسم المرأة، اكتشفه علماء الأعصاب عند دراسة جانب بيولوجي وعلمي خطير، إذ صرّح العلماء أن جسم المرأة يمتص جزء من الحمض النووي لكل رجل كان معها في علاقة محرّمة عبر الحيوانات المنوية، وهذا الـ Dna الأجنبي لا يختفي، وإنما يمكن العثور عليه في الدماغ نفسه، والعواقب أن هذا الحمض لا يختزن فقط. ولكن يورث إلى الأبناء؟!
فهل تساءلت يوما لماذا يشبه بعض الأطفال رجل من علاقة سابقة أكثر من والدهم؟ هذا هو السبب عادة،

بينما يوفر الأب معظم الحمض النووي، يستخدم أيضا المادّة الجينية من الرجال السابقين وليس فقط على المظهر، يمكن أن تنتقل الاضطرابات الجسدية والعقلية أيضا إلى الأبناء. كلّما زاد عدد الرجال الذين كانت المرأة معهم، زاد خطر الطفرات السلبية في أطفالها المستقبليين.

على أفراد المجتمع أن يفكّروا مرتين قبل أن ينجبوا طفلا مع نساء كن مع العديد من الشركاء الجنسيين السابقين، فهذا مهم بيولوجيا، لأنك لن تكون الوحيد الذي يشكّل جسم ونفسية الطفل.

وجود الأطفال غير الشرعيين بعد ظاهرة الإغتصاب الممنهج في المجتمعات العربية والمسلمة له أثر سلبي على الاستقرار الاجتماعي والأخلاقي يصل بها إلى درجة الانحطاط. هؤلاء الأطفال الغير شرعيين لديهم شعور مستمرّ بالخزي والعار، مما يؤثر على قدرتهم على الانخراط الإيجابي في المجتمع، ويجعل ولاءهم للوطن أو العائلة منعدما تماما. حتى لو تمكّنوا من الوصول إلى مناصب عمل أو الانضمام إلى الجيش، ولأنهم بذور شيطانية، فإن شعورهم بالنقص والاضطراب النفسي يحول دون تقديمهم أفضل ما لديهم، ويجعلهم أكثر قابلية للسيطرة والتوجيه من طرف الدول التي تسعى للهيمنة ونهب الثروات. إذ ينشأ جيل غير قادر على الدفاع عن وطنه أو حماية قيمه، جيل لا يمكن الاعتماد عليه لأنه يفتقر للفخر بنسبه والإنتماء، ويخلو من عامل العزّة والكرامة، ويصبح بذلك أداة سهلة للهيمنة الخارجية.

لنأخذ مثالا: امرأة تزوجت رجلا شرعيا، وأخرى تزوجت رجلا غير شرعي. الرجل غير الشرعي غالبا ما يكون موضوع نقد المجتمع، فيميل إلى الهروب والتجنّب بدلا من مواجهة التحدّيات. أما الرجل الشرعي فلا يتعرّض لنقد كهذا، فيواجه الحياة بكل صعوباتها، حتى في الجيش أو في أماكن العمل ومن دون تردد.

ولك أن تتصور شعور كل منهما حين توجه إليه زوجته كلاما: إذا قالت له زوجته “يا ابن الحرام”، سيشعر بالخزي والذنب والضعف، وقد يزداد ميله للهروب والتراجع عن مسؤولياته. أما الآخر، إذا قالت له زوجته “يا ابن الكرام”، سيشعر بالعزّة والفخر، فتزداد ثقته بنفسه وقدرته على مواجهة الحياة بحزم ومسؤولية. هذا المثال يوضح كيف أن الأصل الشرعي والأمان الأخلاقي يشكلان دعامة أساسية لاستقرار الفرد والأسرة والمجتمع، بينما غيابه يترك آثارا نفسية واجتماعية سلبية تتشعّب إلى كل مجالات الحياة.

إذا ما هو تأثير هذا المخدّر على الإناث؟

يتساءل البعض عن تأثير هذا المخدّر على الإناث، وهل يحتجن إليه لتسليم أنفسهن؟ الواقع يشير إلى أن الكثير منهن يُسلّمن أنفسهن دون حاجة إلى مخدٌر، والدليل على ذلك الحالات المأساوية التي نسمع عنها بالآلاف، والتي نتج عنها أطفال غير شرعيين، وقد وقعت قبل ظهور المخدّر.

الغريب في الأمر هو أن المخدّر يُستعمل اليوم كذريعة لتبرير أفعالهن الشنيعة. فحين تدّعي بعض النساء التعرّض للاغتصاب بواسطة هذا المحلول، فإن ذلك يوفّر سببا لتبرير فعلهن الشنيع، وإخفاء المسؤولية الفردية خلف حجّة المخدّر. هذا التلاعب يسهّل تغييب العقل والوعي العام للمجتمع، ويحوّل المسؤولية الأخلاقية إلى أعذار واهية.

الفتيات اليوم، يواجهن ضغوطا عرفية تجبرهن على الزواج التقليدي بأي طريقة، وهذا يخلق حالة من الاستسلام الطوعي للواقع، سواء بالرضا أو بالإكراه، ويقعن بذلك في شراك أشباه الرجال الذين قد يُستغلون أو يُجبرون على الزواج منهن، ليصبح الأمر حلقة مفرغة من الخطايا والعواقب الاجتماعية السلبية.

ما الذي يُراد تسويقه كـ”إيجابيات” لهذا المخدّر مستقبلا؟

يسوّق هذا المخدر، في الوعي العام القادم، على أنه درع وقائي تحتمي خلفه روايات جاهزة من طرف النساء المغتصبات من الأعرابيات المسلمات، وتصبح كل قضية تثار بعد انتشاره، قابلة لأن تصنّف تلقائيا في خانة “الضحية”. وبذلك يتحوّل من أداة إجرامية إلى شماعة اجتماعية تعلّق عليها الخطايا، أو منشفة تمسح فيها أفعالهن الشنيعة تحت ذريعة التعرّض لمخطط اغتصاب ممنهج. إن الخطر الحقيقي في المخدّر يكمن في تأثيره الرمزي: حين يصبح الادعاء أسهل من المواجهة، وتغيب المحاسبة الأخلاقية لصالح سردية جاهزة تريح الضمير العام.

في ظلّ ضغوط اجتماعية متزايدة في المجتمعات العربية المسلمة، خاصة فكرة “الزواج بأي ثمن”، قد تنشأ سلوكيات متضاربة تحاول فرض واقع معين بدل بنائه على أساس سليم، خصوصا مع عزوف كثير من الشباب عن الزواج أو رفضهم لأنماط معينة من العلاقات مع نساء متلاعبات. هنا تتحوّل المشكلة إلى أزمة قيم، حيث يُستعمل الخوف من كلام الناس أو الفشل الاجتماعي للبحث عن وسائل وطرق ملتوية لفرض الارتباط بدل بنائه على القبول والاختيار الحرّ.

إن أخطر “إيجابية” مزعومة لهذا المخدّر هي أنه يفتح الباب لتطبيع التحايل، ويحوّل المجتمع العربي المسلم من باحث عن الحقيقة إلى مستهلك للأكاذيب، ومن حارس للقيم إلى متعاطف بلا وعي، ما يهدّد استقرار الأسرة ويقوّض الثقة بين الجنسين على المدى البعيد.

قد يصل الأمر، في هذا التصور الخطير، إلى أن تتحوّل بعض النساء من موقع الادعاء بالضحية إلى طرف فاعل في صناعة الذريعة نفسها، فسيعين إلى اقتناء هذا المخدّر ودسّه في الأطعمة أو المشروبات لأنفسهن وللرجال واستعماله لتسهيل الوصول إلى نتيجة سريعة ومفروضة ألا وهي “الزوج الساتر لميوعتهن”.

لذلك، أصبح الحذر من هذا المخدّر ضرورة قصوى، لأنه لم يظلّ محصورا في الشارع أو المقاهي أو النوادي، ولكن تسلّل إلى أخطر مكان يفترض أن يكون آمنا: البيت العربي. فحين انهارت الضوابط الأخلاقية، تحوّل هذا المخدر إلى أداة تُستعمل داخل الأسرة نفسها، ليستخدمه الأب ضدّ ابنته ويستخدمه زوج الأم ضدّ ابنتها، ويستخدمه الأخ ضدّ أخيه ويستخدمه الأخ ضدّ أخته….

لقد انتشرت في الكثير من البيوت العربية حالات من زنا المحارم، وغالبا ما يكون الرفض فيها من طرف الفتيات أو النساء اللواتي يمتلكن وعيا دينيا وأخلاقيا يدفعهن إلى التمرّد ورفض هذا الانحراف رفضا قاطعا. هذا الرفض هو ما يجعل المعتدين أشباه الرجال من الأعراب إلى اللجوء إلى استخدامه حتى يتمكّنون من فعل ما يريدون من دون تمرّد ويجبرون الفتاة بالتزام الصمت. لأن ذلك يجلب العار للعائلة.

العجيب في الأمر والحقيقة المؤلمة، تكمن في منطق الرجل الأعرابي في المجتمع ذاته: حين أراد أن يغتصب أحد محارمه، لم يفكّر في العار ولا في سمعة العائلة، لكن حين تفكّر الضحية في التبليغ أو الكلام، يلقى على عاتقها عبء “العار” و”الفضيحة وسمعة العائلة”.

هذه هي المشكلة، فالحذر كل الحذر من استخدام المخدّر في داخل البيوت، إذا لم يواجه هذا الخطر بوعي، وحماية قانونية، وكسر لمنطق العار الزائف، فقد يؤدي إلى انتشار رهيب لزنا المحارم والشذوذ داخل البيوت العربية والمسلمة، خصوصا أن النساء المسلمات تعرف بشدة رفضها الديني والأخلاقي لزنا المحارم، بعكس الرجال، الذين إذا أُتيحت لهم الفرصة استغلوها، وها هي الفرصة الخطيرة قد ظهرت، مع ما يعرف بمخدر الاغتصاب.

الحلّ: كسر الصمت والإبلاغ دون تردّد وبكلّ قوة.

في حال راود المرأة أي شكّ بدخول هذا المخدّر إلى البيت من طرف الأب، أو العمّ، أو الخال، أو الأخ، أو أيٍّ من المحارم، فإن الواجب الأول هو الإبلاغ فورا وعدم الانصياع لضغط المجتمع أو لما يقال من تبريرات أو تخويف. فالصمت لا يحمي الضحية، بل يحوّلها إلى كبش فداء تنتهك حقوقها تباعا: جسدا، وكرامة، ومالا، ثم ترمى وحيدة في النهاية تحت حكم الإدانة الاجتماعية.

إن السكوت على هذا الأمر الخطير يرسّخ الجريمة، أما الكلام، فهو بداية النجاة. حين تتكلّم الضحية، فهي تضع حدّا للجريمة، وتخرج إلى المجتمع مرفوعة الرأس، مستحقّة للحماية والتكريم.
وحين تصمت تتحوّل إلى حثالة وعاهرة في نظر جميع الناس، حتى وإن لم يقولوا ذلك أمامها صراحة.

يمكن تصوّر خطورة انتشاره في دول مثل السعودية والإمارات والمغرب، وفي مناطق الظلّ والمناطق النائية على وجه الخصوص، حيث يشتدّ ضغط العار، وتجبر المرأة على الصمت خوفا من الفضيحة. هذا الصمت هو البيئة المثالية لتكاثر زنا المحارم واستمرارها في البيوت العربية المسلمة.

الحلّ الجذري لإيقاف هذا الأمر وحتى تنجلي خطورة هذا المخدر، يكمن في نشر ثقافة التبليغ، وكسر حاجز الخوف. حين تتكلّم المرأة، تغلق باب الجرأة أمام المعتدي، لأن المعتدين في حقيقتهم جبناء، لا يتحركون إلا في الخفاء.

لماذا الرجل الرخيص يستخدم مخدّر الاغتصاب ضد عائلته بالضبط وتحت الكتمان؟

أثبتت الدراسات الأكاديمية أن الرجل الفاشل بطبعه يرغب بكل ما هو ممنوع ويقامر فيه.

يقسو لمّا تكون المرأة شريفة وتصدّه وتجعله يفهم أنها ليست متاحة، أمّا التي تلبّي له رغبته يعاملها بلطف في البداية، ثم لمّا يفرغ منها ينعتها بالحمارة العاهرة.

الرجل يفكر بشهوة حيوانية وأكبر شيء يفكر فيه هو الاعتداء على محارمه، وبالتالي هو سيقسو على من تصدّه، يستخدم كل الطرق للإطاحة بها لأنها عصيّة عنه ولن تسقط.
فينزعج ويغضب ويلجأ للمتاحة السهلة المنال، والعاهرة فقط هي من تسقط.

العنف الأسري، في كثير من الحالات، لا ينفصل عن هذا الخلل؛ فهو وسيلة تفريغ لاضطراب الرجل الداخلي وشهوته المفرطة. وحين تمنعه الأعراف أو القوانين، قد يتحوّل العنف داخل الأسرة بوصفه بديلاً عن الانفلات العلني، فكل رجل يضرب زوجته أو أولاده فهو رجل حيواني الطبع عليه شهوة طاغية. إما يفرغ شهوته بالعنف أو الممارسة الجنسية. ولو كان في مجتمع منفتح، لمارس فعلته دون رادع وبلا خجل. ولأن المجتمع العربي والمسلم مجتمع شهواني، اعلموا أنه سيحدث أمر مريب فحدث ولا حرج.

،؛، الرجل يتأسّد على المرأة ويستقوي بصمتها، ويتحوّل إلى حمار إذا فضحت حقيقته وتكلمت. ،؛،

،؛، كل شخص منحرف شاذّ إذا امتلك مخدر الاغتصاب الذي يسلب الإرادة، يصبح خطرا على أسرته قبل غيرها، وقد تمتد يده لتصيبهم جميعا.،؛،

المعتدون الجنسيون الشواذ هم أحقر وأجبن الأشخاص فوق الأرض، عليكم التبليغ عنهم فهو واجب لا تهاون فيه، فمجرد علمهم بأن الضحية ستتقدم ببلاغ، كفيل بأن يدفعهم إلى التراجع والاختباء، انشروا عنهم كل شيء. كشف الجريمة، وإبلاغ الجهات المختصة، هو السلاح الحقيقي لردعهم. فهؤلاء ينهارون عند أول مواجهة علنية، ويتحوّلون من متجبّرين في الخفاء إلى ضعفاء متوسّلين حين تنكشف حقيقتهم.

حين تصمت الفتاة، فإنها لا تتجنّب المشكلة، وإنّما تدخل في مأزق أكبر؛ إذ يسلب شرفها، ويدمّر مستقبلها، ثم تترك وحيدة لتواجه صدمة نفسية عميقة. تدخل في دوامة من الاضطراب والتفكير القاسي، قد يقودها ذلك إلى الانحراف والانكسار بدل التعافي والحماية.

في حالة الاغتصاب، قد يقود الصمت إلى الانتحار، أو إلى اكتئاب شديد، أو إلى فتح مجال العهر على مصراعيه، فتتحوّل الضحية إلى صورة مشوّهة عن ذاتها، امرأة تصير زانية، أو رجل يصير زانيا. لنفترض أن شخصا ما اجتمعت عليه الصدمات كلّها: انتهاك العرض من الدبر، والاغتصاب. ماذا لو جاء الصمت نتيجة صدمة سبقها اغتصاب، واعتداء؟

الصدمات تتفاوت في شدّتها: اعتداء واغتصاب أو زنا المحارم. وكذلك الصمت؛ منه المؤقت، ومنه الطويل، بحسب نوع الصدمة وعمقها. قد يولّد الصمت قوة لاحقة في الشخصية، وقد يهدّم الكيان من أساسه.

في الاغتصاب، الرجل إذا تعرّض له قد تنهار صورته عن نفسه، ولا تعود شخصيته كما كانت، وربما يصبح أضعف رجل مما كان عليه. والمرأة لا تخرج من الصدمة بحالة أفضل مما كانت عليه. وفي انتهاك العرض، الرجل والمرأة قبل الصدمة ليسا كما بعدها. من يملك عقلا حكيما ومعرفة، من كلا الجنسين، قد يستبدل من خذله، ويدخل حياة أفضل. أما الشخص الضعيف، فلا يرى سوى الانتقام.

كيف ينتقم؟ بأن يصير هو أيضا شاذا، ليس لأنه يريد ذلك، وإنما يتقمّص دور من كسره ومارس عليه.

الصدمة تملك انحرافين، كأن مؤشر الحياة أو دفّتها ينقسم إلى اتجاهين: يمين إيجابي، وشمال سلبي. إما أن ينحرف الإنسان إيجابيا، وإما أن ينحرف سلبيا، وفي الغالب يحدث الانحراف الشمالي.

يقول في داخله بما أنه تعرض لصدمة بسبب خيانة من الأهل، سيتقمّص دور الخائن. وإذا جاءت الصدمة نتيجة اعتداء، يتحوّل إلى معتد، ويعيد إنتاج الأذى في الآخرين، حتى يحوّلهم إلى شواذّ مشوّهين مثله. وأيضا إذا أصيب بفيروس فقدان المناعة المكتسبة، فيقول في داخله أنه سينقله إلى الأبرياء الآخرين، حتى يدنّسهم، وبذلك لا يعود ضحية، بل يصير مجرما. والأمر نفسه قد يحدث عند المرأة. إذا اعتدى عليها من أقاربها، تفكّر بعد الصدمة والصمت بأن تتحوّل هي أيضا إلى زانية، حتى تنتقم لشرفها، وتزنى مع كل الشباب.

إنه منطق الانحراف السلبي: حين لا يواجه الإنسان ألمه، ويفضل أن يرتدي قناع من سبب له الأذى، ويعيد توزيعه على العالم.

ماذا يحدث خلال الصمت بعد الصدمة؟

خلال الصمت، كل تفكيره يتمركز حول الصدمة، وعقله يعمل بكامل طاقته. وعلى حسب نوع الصدمة، لذلك يصمت لأن التفكير يحتاج وقتا، والعقل يحاول أن يفهم ما حدث، وأن يجد طريقة للتجاوز، اعتمادا على التجارب السابقة، وعلى المعرفة التي يملكها. فترة الصمت هي محاولة للخروج من الانهيار بأقل الخسائر الممكنة. فإذا كان لدى الشخص معرفة، وثقافة، ووعي بتجارب الحياة، فإن ذلك يساعده على تجاوز الصدمة في مدة أقصر. يخرج من الصمت بهدوء، وبشيء من الإيجابية والأريحية. أما الذي لا يملك علما كافيا ولا معرفة شافية، ولا تجارب سابقة تساعده على فهم ما أصابه على إثر الصدمة، فإن صمته يطول، ولا يخرج منه سليما. وإنما يكون محمّلا بنتائج سلبية. خلال الصمت، ينشأ صراع داخلي بين العقل الواعي والعقل اللاواعي. العقل اللاواعي يحاول تجاوز الصدمة، ويرفض الانتقام، ويطلب السلم بوصفه مخرجا أقل كلفة. أما العقل الواعي، فيرفض التجاوز دون إحداث رد فعل مماثل أو أشدّ منه، مبدأ “الصاع صاعين”، خيانة بخيانة، وألم بألم وهكذا … العقل الواعي يطالب بالانتقام، ويعلن الحرب باعتبارها حلّا، دون إدراك منه لحجم الخسارة التي ستأتي بعدها.

من ينتصر في هذا الصراع؟

في حالة الجهل، يتفوّق العقل الواعي. يبدأ الخطوة التالية بالتسرّع، ثم يعقبه الندم. أما في حالة الحكمة، فينقلب الميزان. يتفوّق العقل اللاواعي على الواعي، ويعمل على إصلاح الخطأ تدريجيا.

كثيرا ما يخرج الناس من الصدمة وهم يحملون قرارا غير صائبا. من افترسوه يذهب هو ليفترس غيرهم، من تضرّر يذهب ليؤذي آخرين. لكن النتائج غالبا ما تكون وخيمة.

لماذا؟ لأن الفعل الثاني لا يعالج الفعل الأول، ولكن يضاعف الأزمة.

الفتاة التي تتعرّض للإغتصاب من طرف العائلة، قد تذهب وتزني بدافع الانتقام، فتجد نفسها عالقة في أزمتين لا واحدة. فالخيانة عند الرجل ليست كحالها عند المرأة، والزنا عند الرجل ليس كما الزنا عند المرأة، من حيث النظرة الاجتماعية والعواقب. قد تتعرّض المرأة التي تخون للضرب من طرف الشخص الذي زنت معه، وقد تصاب بأمراض، أو حتى تُقتل، وقد تُكتشف خيانتها من طرف أهلها، فيكون الثمن فادحا مما تحمّلته. والذي تعرّض لاعتداء، ثم ذهب ليعتدي على الآخرين، لا يحرّر نفسه، وإنما يسقط في ورطة أكبر، ويتحوّل إلى شاذ متمرّس يكرر الفعل الشنيع.

وهنا يحدث الاصطدام بالواقع. العقل الواعي، بعد أن ظنّ أن الانتقام سيمنحه توازنا، يصطدم بحقيقة أشدّ قسوة. فتتحوّل الصدمة الواحدة إلى صدمات متتالية. ربما تكون الصدمة الأولى زنى المحارم، فتواجه قريبها بالسؤال عن سبب الزنى بها؟ فيصدمها الجواب بأنها ليست الأولى ولا الأخيرة وأنها نزوة عابرة وأنها هي الزانية التي تجذبه. فتقع الصدمة على عاتقها مرتين. وقد تكون الصدمة أشدّ، أو حين تكتشف الزوجة أنه خانها مع كل بناتها هي وكل أخواتها، فيغدو الاصطدام بالواقع شرسا، ويتهشّم ما تبقى لها من الثقة.

فماذا يحدث للأغلبية؟ هو أنهم ينحدرون ويسقطون، فكلّ من يخرج بعد الصدمة عبر الانحراف الشمالي، يسقط في الفعل نفسه الذي كسره من قبل. وإذا كانت الصدمة خيانة، يمتهن الخيانة. لأن الشخص هنا يدمن الصدمة نفسها. ومن انكسر بالاعتداء، قد يدمن ممارسته. ومن زني به، أو زني بها، قد يستحلّان الفعل، ويعيدانه مع آخرين، لأن الرغبة الشاذّة تولّدت فيهم كبذرة شيطانية.

ماذا يحصل بعد الإدمان؟

بعد الإدمان، يفقد لذّته، ولا يعود الفعل قادرا على منح أي إشباع لرغبته في الانتقام، ثم يأتي فقدان الشغف بالحياة. في هذه المرحلة، يتحوّل إلى مجرم، يؤذي نفسه قبل أن يؤذي الآخرين، يتقمّص دور الضحية باستمرار. كثير الشكوى، كثير التبرير، ويدخل في حالة نقد نفسي دائم على أنه ضحية الأسرة، وضحية المجتمع، والظروف. ويتحوّل إلى شخص يفشل في إدارة أبسط أمور حياته: العلاقات، العمل، الالتزام، الاختيارات. ومع الوقت، ينحدر أكثر. وتسوء الأمور معه إلى أن يصير متشرّدا، أو مجنونا بالمعنى الاجتماعي، أو عالّة على الآخرين، أو مدّعيا للمرض، بحثا عن تعاطف لم يعد قادرا على منحه لنفسه. هنا لا تكون الصدمة هي المشكلة، ولكن الإدمان عليها.

الأمر مرتبط بالطبع البشري، بالأمور غير الظاهرة في طبيعة الإنسان. الشخص ذو الطبع الطيّب، مهما تعرّض للضغوطات، يخرج طيّبا، أما الشخص السيء أو المدنّس، فكلّ ضغوطات الحياة تُخرج أضغانه وتزيده سلبية وسوءا.

،؛، الشخص الذي كانت نتائجه إيجابية كان من البداية طبعه إيجابي، والذي كانت نتائجه سلبية كان من البداية طبعه سلبي. وهكذا يتمايز الأشخاص عن بعضهم البعض.،؛،

،؛، الصدمات تسمى ضغوطات والصمت ما هو إلا اظهار لحقيقة المرء.،؛،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock