
في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، حيث يدهشنا يوميًا بقدراته على إنتاج نصوص وصور ومقاطع فيديو بجودة وواقعية لم يكن أحد ليتخيلها قبل أعوام قليلة. ومع هذا التطور الكبير، تظهر على السطح مخاطر تهدد القيم المجتمعية والأمن الشخصي، أبرزها القدرة على تزوير الحقائق وخلق مشاهد لا وجود لها من الأساس.
من الفوتوشوب إلى الذكاء الاصطناعي: رحلة الخداع البصري
قبل سنوات لم يكن أمام من يسعى إلى تشويه سمعة شخص ما سوى أدوات “الفوتوشوب”، التي رغم براعتها كانت تفضح في كثير من الأحيان بتفاصيل غير منطقية أو ضعف في الدمج بين العناصر. ومع ذلك، وقعت ضحايا عديدة بسبب تلك الصور المعدلة.
اليوم تغيّر المشهد كليًا؛ إذ أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة على إنتاج صور مطابقة تمامًا للواقع، بل وأكثر إقناعًا من الصور الفوتوغرافية ذاتها. الأمر لم يعد مجرد خداع بصري بسيط، بل أصبح تهديدًا مباشرًا لحياة الأفراد وسمعتهم.
تقنية “AI Bypass”: الوجه المظلم للتكنولوجيا
أخطر ما يثير القلق هو ما يُعرف بـ AI bypass، وهي طرق يستخدمها بعض المتخصصين للتحايل على سياسات الاستخدام الآمن لأدوات الذكاء الاصطناعي. ببساطة، يستطيع مستخدم ماهر أن يخدع الخوارزمية ويجعلها تنتج صورًا أو مقاطع فيديو لأي شخص، في أي وضعية، وبأي تفاصيل يختارها، مع درجة تطابق تكاد تصل إلى 100%.
الأمر لا يتوقف عند حدود استبدال خلفية أو تحسين صورة، بل يمتد إلى تركيب صور زائفة تمامًا تظهر أشخاصًا في مواقف محرجة أو غير لائقة، ما يشكّل خطرًا مباشرًا على خصوصية المجتمع.
أين تكمن الخطورة؟
المعضلة الحقيقية لا تكمن فقط في قدرة الذكاء الاصطناعي على صناعة هذه الصور، بل في رد فعل الناس عند مشاهدتها.
فعندما يواجه شخص صورة مزيفة له، ويحاول الدفاع عن نفسه بالقول إنها “مصنوعة بالذكاء الاصطناعي”، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن الكثيرين هو أن هذا تبرير للهروب من موقف حقيقي. بذلك يصبح الدفاع صعبًا، ويغدو الزيف أصدق من الحقيقة في نظر الآخرين.
الذكاء الاصطناعي يتعلم منّا
هذه النماذج لا تعمل بمعزل عن البشر؛ بل إنها تتطور من خلال تحليل ملايين الصور والكلمات والنصوص التي يشاركها المستخدمون على الإنترنت. كل كلمة نكتبها، وكل صورة ننشرها، تصبح مادة تدريبية تُغذي الخوارزميات وتجعلها أكثر قدرة على التقليد والمحاكاة.
هذا يعني أن الاستخدام العشوائي والاندفاع وراء التجربة دون وعي أو حذر قد ينعكس سلبًا علينا جميعًا، في صورة تهديد لخصوصيتنا وأماننا الشخصي.
دعوة للتوعية والحذر
التكنولوجيا في جوهرها أداة محايدة، يمكن أن تكون وسيلة للتقدم والابتكار، أو سلاحًا يُستخدم للإساءة والتلاعب. لذلك يصبح الوعي المجتمعي هو خط الدفاع الأول في مواجهة مخاطرها.
على كل فرد أن يتعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي بحرص بالغ، وألّا ينجرف وراء الانبهار بالنتائج دون التفكير في الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية. كما أن نشر الوعي بين الأصدقاء والأبناء وأفراد العائلة بات ضرورة ملحّة، فالأمر لم يعد مجرد ترف تقني، بل مسألة تمس أمن المجتمع واستقراره.
وفي نهاية نحن أمام ثورة تقنية غير مسبوقة، تجعل الواقع أقرب ما يكون إلى الخيال، وتجعل الخيال يبدو أكثر واقعية من الحقيقة. وفي هذا العصر الذي اختلطت فيه الأوراق، لم يعد السؤال: هل الصورة حقيقية؟ بل أصبح: كيف سنحمي أنفسنا من أن تُستخدم صورنا وأصواتنا وهويتنا ضدنا؟
الإجابة تبدأ من الوعي، والوعي يبدأ من كل قارئ مدرك لحجم المسؤولية.



