فن وثقافة

آليات السرد القصصي بين الشاعرية والصراع في نص (طفلتهم) للكاتبة الصحفية فيفي سعيد بقلم د. سيد فاروق

بداية العنوان “طفلتهم” للكاتبة فيفي سعيد محمود يحمل في طياته فلسفة عميقة تتعلق بالهوية والانتماء والتناقضات الداخلية. العنوان يلعب دورًا محوريًا في توجيه القارئ لفهم النص بشكل أعمق، ويمكننا تحليل فلسفة العنوان من خلال النقاط التالية:

– الهوية والانتماء:العنوان يشير إلى الطفلة باعتبارها “طفلتهم”، مما يعكس إحساسًا بالانتماء والرعاية من قبل المجموعة أو العائلة. هذا الإحساس يعزز الشعور بالحب والقبول، وهو ما يتناقض مع التناقضات الداخلية التي تعاني منها الشخصية.

– البراءة والنقاء: استخدام كلمة “طفلتهم” يوحي بالبراءة والنقاء، حيث يُنظر إلى الشخصية ككائن طاهر وبريء يحتاج إلى الرعاية والحماية. هذا البعد يعكس الرؤية الخارجية للشخصية من قبل الآخرين، مما يزيد من حدة التناقض بين الصورة الظاهرية والشعور الداخلي بالعصبية والصراع.

– التناقضات الداخلية: العنوان يعكس أيضًا التناقض الداخلي في الشخصية، حيث تُرى كطفلة بريئة ورقيقة بينما تعاني من صراع داخلي وعصبية مشتعلة. هذا التناقض يتجلى في النص ويعزز من الشعور بالحيرة والتشتت الذي تعاني منه الشخصية.

– العلاقة مع الآخرين: العنوان “طفلتهم” يشير إلى العلاقة الوثيقة بين الشخصية والآخرين، وكيف يراها المجتمع المحيط بها. هذه العلاقة تبرز التوقعات الاجتماعية والنظرة العامة للشخصية، مما يعكس التوتر بين توقعات الآخرين وواقع الشخصية.

– البحث عن الذات: العنوان يعكس رحلة البحث عن الذات والتصالح مع التناقضات الداخلية. النص يتناول كيف تحاول الشخصية فهم مشاعرها وتجاوز الصراعات الداخلية لتجد توازنًا بين البراءة والعصبية.

– الرمزية: العنوان يحمل رمزية قوية، حيث “طفلتهم” يمكن أن تُفهم على أنها رمز للبراءة والنقاء الموجودين داخل كل شخص، وكيف يمكن لهذا النقاء أن يتعايش مع التحديات والصراعات الداخلية.

– الدلالات العاطفية: العنوان يحمل دلالات عاطفية قوية، حيث يعكس الحب والرعاية المتبادلة بين الشخصية والمحيطين بها. هذا الحب يمكن أن يكون عنصرًا داعمًا للشخصية في رحلتها نحو الفهم والتوازن الداخلي.

حول النص
********
النص القصصي للكاتبة فيفي سعيد محمود يتميز بعمق شعوري ولغة شاعرية، حيث يطرح موضوع التناقض الداخلي والصراع بين البراءة والعصبية بأسلوب جذاب ومؤثر. وحين نتناول هذا النص من خلال آليات السرد القصصي نجد أن:

البناء السردي:
النص يعتمد على بناء سردي هادئ ومتأمل، يبدأ بوصف حالة الشاعرة الداخلية وينتهي بلحظة من التنوير والتصالح مع الذات. السرد يتبع تسلسلًا منطقيًا وواضحًا، يأخذ القارئ في رحلة داخلية للنفس البشرية.

الوصف والتفاصيل:
الكاتبة تستخدم وصفًا دقيقًا ومفصلًا لخلق صور بصرية قوية. مثلاً، “همسوا بإسمي كأنني زهرة ياسمين تفتحت للتو تحت ضوء القمر” يعكس صورة شاعرية وجمالية تعزز من تجسيد الحالة الشعورية للشخصية. هذا الأسلوب يساهم في تقريب القارئ من تجربة الشخصية بشكل مباشر.

التناقض والصراع الداخلي:
النص يركز بشكل أساسي على التناقض بين البراءة والعصبية، وهو ما يُبرز الصراع الداخلي للشخصية. هذا التناقض يظهر في العديد من الجمل مثل “لم أكن أفهم كيف يمكن لطيبة قلبي أن تتعايش مع هذه النار التي تشتعل بداخلي”. تعبر هذه العبارات عن التوتر الداخلي والتعقيد في شخصية الطفلة.

الحوار الداخلي والخارجي:
الحوار الداخلي يعكس الأفكار والمشاعر الداخلية للشخصية الرئيسية، مما يعمق الفهم للنفس المتناقضة التي تعيشها. الحوار الخارجي مع الشخص الذي يقترب منها يشكل نقطة تحول في السرد، حيث يقدم الراحة والفهم الذي تحتاجه الشخصية. هذا الحوار يعزز من تطوير الشخصية ويضيف بعدًا إنسانيًا للقصة.

الشاعرية والرمزية والمجاز:
***********
النص مليء بالرمزية والمجاز، حيث تستخدم الكاتبة عناصر الطبيعة مثل الزهور والعاصفة والقمر لتعبر عن الحالة الداخلية للشخصية. هذه الرموز تجعل النص غنيًا بالأبعاد والتفسيرات المختلفة، مما يعزز من قوته الأدبية.
كما أيضا يمتاز النص القصصي الذي بين أيدينا بجمالية شاعرية عالية، حيث تستخدم الكاتبة فيفي سعيد المجاز والصور الجمالية لخلق تأثير عميق في نفس القارئ. وسوف نستعرض بعض العناصر البارزة في النص:

الشاعرية
******
– اللغة الشاعرية: النص مليء بالتعابير اللغوية الشاعرية التي تضفي عليه رونقًا خاصًا. مثل “همسوا بإسمي كأنني زهرة ياسمين تفتحت للتو تحت ضوء القمر”، هذه العبارة تجسد رقة وبراءة الشخصية من خلال صورة شاعرية جميلة.
– الإيقاع الداخلي: تحتوي الجمل على إيقاع داخلي مموسق ناتج عن اختيار الكلمات الموسيقية في بناء الجمل وهذا من شأنه أن يعزز من تأثير النص، ويجعل القراءة تجربة ممتعة وسلسة.

المجاز
*****
– *ازدواجية البراءة والعصبية: النص يستخدم المجاز ليعبر عن التناقضات الداخلية للشخصية. فمثلاً، البراءة توصف كزهرة ياسمين، بينما العصبية توصف كعاصفة مشتعلة. هذا المجاز يعكس التناقض بين مظهر الشخصية الخارجي وصفاتها الداخلية.
– *الغسق والنجمة: “عصبية مشتعلة كنجمة سقطت من السماء” هو مجاز يعبر عن شعور الفتاة بالحيرة والصراع الداخلي.

الصور الجمالية
*********
– الوصف البصري: الكاتبة تخلق صورًا بصرية قوية من خلال الوصف التفصيلي. مثل “أجلس وحدي على شرفة حجرتي، أحاور القمر بنظراتي”، هذه الصورة تضع القارئ في جو النص وتعزز من الفهم الشعوري للشخصية.
– التفاعل مع الطبيعة: استخدام عناصر الطبيعة مثل القمر والنجوم يضفي جمالية خاصة على النص، ويعزز من الشعور بالارتباط بالكون والطبيعة.

الجماليات النفسية
*********
– الحنان والتحدي: النص يعكس مشاعر الحنان
والتحدي من خلال الحوار بين الفتاة والشخص الذي يفهمها بعمق. هذا التفاعل يعزز من جمال النص ويعبر عن عمق العلاقات الإنسانية.
– الدفء والطمأنينة: “ابتسم تلك الابتسامة التي كانت كفيلة بأن تهدئ أعنف عواصف روحي” تعبير جميل يعكس كيف يمكن للأشخاص القريبين أن يمنحوا الدفء والطمأنينة حتى في أصعب الأوقات.

العمق الفلسفي
************
– التناقضات الإنسانية: النص يعبر عن فلسفة التناقضات الداخلية في النفس البشرية، وكيف يمكن للبراءة والعصبية أن يتواجدا معًا بشكل متناغم.
– النار والدفء: “النار لا تبتعد، إنها تضيف الدفء إلى البراءة ما يجعل منكِ شيئًا نادرًا، شيئًا لا يُنسى” يعبر عن فكرة أن التجارب الصعبة والعواطف القوية تضيف عمقًا وجمالاً للشخصية.

النهاية ولحظة التنوير:
**************
النهاية تأتي بلحظة من التنوير والتصالح مع الذات، حيث تتقبل الشخصية تناقضاتها وتجد توازنها الداخلي. هذا التحول يعبر عن رحلة داخلية نحو الفهم والقبول الذاتي، مما يترك أثرًا إيجابيًا في المتلقي
كما أن أسلوب الكاتبة يتميز بالشفافية والعاطفة، مما يجذب القارئ ويجعله يشعر بمصداقية النص وقربه من الواقع. اللغة الشاعرية والمجازية تضفي على النص جمالاً ورونقًا خاصًا.

وارتكازا على ما سبق نلاحظ أن:
***********
– العنوان “طفلتهم” يحمل فلسفة عميقة تعبر عن الهوية والانتماء والتناقضات الداخلية. يعكس العنوان التوتر بين النظرة الخارجية والواقع الداخلي للشخصية، ويبرز رحلة البحث عن الذات والتصالح مع الصراعات الداخلية. الكاتبة فيفي سعيد محمود نجحت في اختيار عنوان يثري النص ويعمق من فهم القارئ لتجربة الشخصية.

– الكاتبة فيفي سعيد محمود جعل نصها يجسد ببراعة الشاعرية والمجاز والصور الجمالية، مما يخلق تجربة قراءة ممتعة ومؤثرة. الكاتبة تستخدم اللغة بلاغة وجمال لتعبر عن التناقضات الداخلية والتجارب الإنسانية بعمق وفلسفة.

– النص القصصي “طفلتهم” يعبر عن تجربة إنسانية معقدة بشكل جميل ومتقن، مستخدمًا آليات سردية فعالة مثل الوصف الدقيق، الحوار الداخلي، والرمزية الغنية. الكاتبة فيفي سعيد محمود نجحت في نقل مشاعر الشخصية وصراعاتها الداخلية بطرق تجعل القارئ يشعر بأنه جزء من هذه الرحلة التي يبحر فيها بحواسه محلقا في مرايا الكون بروحه الحالمة التي تصبو للنقاء دائما وتهوى العودة إلى أيام الطفولة بكل ما فيها من براءة وعفوية ونظرة تأمل في الكون وتطلعات لحياة أفضل.
************

النص

طفلتهم
#فيفى سعيد محمود

همسوا بإسمي كأنني زهرة ياسمين تفتحت للتو تحت ضوء القمر. كنتُ بالنسبة لهم لوحة من البراءة النقية، لونتها الحياة بلمساتها الأولى، لكن تلك البراءة كانت تختبئ خلف عاصفة لا تهدأ، عصبية مشتعلة كنجمة سقطت من السماء.

لم أكن أفهم كيف يمكن لطيبة قلبي أن تتعايش مع هذه النار التي تشتعل بداخلي.

كانوا يرونني رقيقة كنسمة صيف، بينما كنت أشعر أحيانًا أنني إعصار صغير يبحث عن نفسه في عالمٍ لا يُجيد احتواء الأحلام الكبيرة.

أجلس وحدي على شرفة حجرتي، أحاور القمر بنظراتي و أبحث عن تفسير لهذا التناقض الذي يسكنني.

فجأة، سمعت صوت خطوات هادئة، خطوات تعرّفت عليها قبل أن أنظر كان هو، ذلك الذي اعتاد أن يقرأني كما يقرأ قصيدة.

اقترب مني، وفي عينيه مزيج من الحنان والتحدي وجلس إلى جواري دون أن ينبس بكلمة، لكنه ابتسم تلك الابتسامة التي كانت كفيلة بأن تهدئ أعنف عواصف روحي.

قال أخيرًا بصوته العميق:
“تعرفين لماذا ينادونكِ طفلتهم؟

لأنهم يرون النقاء الذي يهرب منهم، يرونه حيًا فيكِ. أما أنا… فأرى أكثر، أرى طفلتى المدللة، لكنها أيضًا مليئة بالشغف، بالنار التي تجعل منكِ أكثر من مجرد براءة.”

أطرقتُ برأسي بخجل، ثم همست: “لكنني أشعر أن هذه النار تُبعدني عنهم، عن كل شيء جميل.”

أمسك بيدي، وقال بنبرة حالمة: “النار لا تبتعد، إنها تضيف الدفء إلى البراءة ما يجعل منكِ شيئًا نادرًا، شيئًا لا يُنسى.”

كانت كلماته أشبه بموسيقى تسكن أعماقي. وشعرت لأول مرة أنني لستُ عيبًا متناقضًا، بل لوحة مكتملة.
فلم أعد أخشى عواطفي منذ تلك الليلة كنت طيبتهم، عصبيتهم، وحلمهم في آن واحد.

كلما نادوني “طفلتنا”، تذكرت أنني طفلة العالم الذي يحبني كما أنا: براءة تُداعب الرياح، وعاصفة تُحلق بها بعيدًا.

فيفي محمود

صحفية وكاتبة روائية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock