دين ومجتمع

أشد من محاسبة النفس من الشريك الشحيح

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد معاشر المؤمنين، إن طرق البذل والإنفاق قد سبقنا إليها العظماء من الموفقين، وعلى رأسهم سيد المرسلين نبينا المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار” رواه البخاري، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتأخر عن تفريج كربات أصحابه، فكم قضى لهم من ديون، وكم خفف عنهم من آلام، وكم واسى لهم من يتيم، وفوق ذلك مات ودرعه مرهونة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، بل ربما أنفق غنما بين جبلين، ثم جاء أصحابه رضي الله عنهم الذين ضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء، والإحسان والسخاء، فهذا هو أبي بكر الصديق رضي الله عنه يقدّم ماله كله لله، وهذا هو الفاروق عمر رضي الله عنه يقدم نصف ماله لله، وهذا هو عثمان رضي الله عنه يشترى الجنة من الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين، مرة حين إشتري بئر رومة، ومرة حين جهز جيش العسرة، فيا عبد الله لا تبخل على نفسك، وقدم لها ما يسرّك واعلم أن السفر طويل والزاد قليل والذنب عظيم والعذاب شديد، والميزان دقيق، والصراط منصوب على متن جهنم، ونحن سائرون عليه، فإمّا ناج أو هالك، فأنفق ينفق الله عليك، وأحسن يحسن الله لك، وفرج يفرج الله عنك، فالجزاء من جنس العمل، فاتقي الله يا عبد الله حيثما كنت.

فالتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه وهي كما عرفها ابن مسعود رضي الله عنه أن يطاع الله تعالي فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وعرفها الإمام علي رضي الله عنه بقوله ” هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والإستعداد ليوم الرحيل، وعرفها طلق بن حبيب رضي الله بقوله التقوى هى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله، وعن أبي يزيد أن التقوى هي التورع عن كل ما فيه شبهة وعن محمد بن حنيف أنه مجانبة كل ما يبعدك عن الله تعالي وعن سهل المتقي كل من تبرأ عن حوله وقدرته وقيل التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك وعن ميمون بن مهران لا يكون الرجل تقيا حتى يكون أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح.

والسلطان الجائر وعن أبي تراب بين يدي التقوى خمس عقبات لا يناله من يجاوزهن إيثار الشدة على النعمة وإيثار الضعف على القوة وإيثار الذل على العزة، وإيثار الجهد على الراحة وإيثار الموت على الحياة وعن بعض الحكماء أنه لا يبلغ الرجل سنام التقوى إلا أن يكون بحيث لو جعل ما في قلبه في طبق فطيف به في السوق لم يستح ممن ينظر إليه وقيل التقوى أن نزين سرك للحق كما تزين علانيتك للخل، فالتقوى هي الغاية من العبادة و هي أساس الخير في الدنيا والآخرة، والهدف الأسمى من الصوم تربية المسلم على التقوى والإخلاص ومراقبة الله تعالى في السر والعلن، لذا فقد جعل الله الصوم له وحده، وقال الإمام أحمد لا رياء في الصوم، فلا يدخله الرياء في فعله، من صفى صفى له، ومن كدّر كدر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، وإنما يكال للعبد كما كال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock