
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمدك اللهم حمدا ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء، وأشكرك وأستغفرك، وأشهد أنك أنت الله وحدك لا شريك لك، ولا حول ولا قوة إلا بك، بك نحول، وبك نصول، وبك نقاتل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدك ورسولك الذي جاهد في الله حق جهاده، جاهد بسيفه ولسانه وسنانه، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن يوم عرفة، ويعتبر يوم عرفة أقدس الأيام في الإسلام، حيث تتم فيه أهم الشعائر الإسلامية في العالم، وهي وقفة عرفة التي تسبق الحج الأعظم، وهو إعادة للذكرى الجميلة التي إرتقى فيها النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم هذا المنبر وأعلن الإخاء الإنساني بصورة واضحة ” أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب ”
ولكن هذه الخطبة المضيئة العامرة بالخطاب الإنساني النبيل تعرضت لإغتيال مريع عبر خطاب الكراهية الذي إستطاع أن يصعد المنبر ذاته ويقدم خطابا متناقضا بالكلية، وعلى مدى المائة عام الماضية كانت خطبة عرفة مناسبة لإعلان إكمال الدين وبطلان الأديان الأخرى وإحتكار الحقيقة وبيان ضلال العالمين ووجوب التبرؤ من اليهود والنصارى والأديان كلها التي تشمل ما يقرب من ثمانين بالمائة من سكان كوكب الأرض، وإظهار الكراهية والبغضاء لهم بوصفهم أعداء لله ورسوله ولو لم يظهر منهم أي عداء تجاه المسلمين وفوق ذلك فإنه لا يترك الإشارة أيضا إلى وجوب التبرؤ من المبتدعة المسلمين التي تشمل سبعين بالمائة من المسلمين أنفسهم، فإننا نحلم من جديد أن يصعد على منبر عرفة ومنابر المسلمين كافة من يملك شجاعة الرسول العظيم نفسه الذي أعلن الإخاء الإنساني بوضوح.
وقدم نفسه نبيا بين الأنبياء وليس نبيا فوق الأنبياء، وقدم دينه رسالة مصدقة للأديان وليس رسالة ناسخة وماحقة، ونادى برفض لغة الشعب المختار، وأعلن مساواة الأمم في المسؤولية والحساب، وأعلن وجوب الإحتكام إلى العقل ووجوب التوقف عن عبادة الماضي ” تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يعملون ” وكما ذكرت المصادر أنه يبدأ حجاج بيت الله الحرام منذ شروق شمس اليوم التاسع من ذي الحجة التدفق إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم وهو الوقوف بعرفة بعد أن قضوا في مشعر منى يوم التروية، ويوم عرفة من أيام الله تعالى شرفه الله وفضله بفضائل كثيرة نذكر منها أولا أنه أفضل الأيام علي الإطلاق لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “أفضل الأيام يوم عرفة” رواه ابن حبان.
وثانيا أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، حيث روى الإمام البخاري بسنده، قالت اليهود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إنكم تقرءون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا فقال عمر إني لأعلم حيث أنزلت، وأين أنزلت وأين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت، نزلت يوم عرفة إنا والله بعرفة قال سفيان وأشك كان يوم الجمعة أم لا ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل لأن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل فكمل بذلك دينهم لإستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها، ولأن الله أعاد الحج على قواعد إبراهيم عليه السلام، ونفى الشرك وأهله فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد، وأمام إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة فلا تتم النعمة بدونها كما قال الله تعالى لنبيه.
” ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ” وثالثا إنه يوم عيد، فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب” رواه أبو داود، ورابعا أن صيامه يكفر سنتين، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم “صيام يوم عرفه أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” رواه مسلم، وخامسا أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء” قال ابن عبد البر وهو يدل على أنهم مغفور لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا بعد التوبة والغفران.


