
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد في دلالة الحديث الشريف العظيم حينما قال النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” أن المعنى ليس نفي الإيمان من أصله، وإنما المراد نفي كمال الإيمان، فإن هذا معروف في ألفاظ السنة أنه ينفى الشيء ولا يراد نفيه كله، وإنما نفي كماله كما قال عليه الصلاة والسلام في إحدى روايات هذا الحديث ” لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان، حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير” واعلموا إن الأرزاق مقسومة، والآجال مضروبة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه” إن روح القدس نفث في روعى،
إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته” وقال النبي صلى الله عليه وسلم”إني لأرجو أن ألقى ربى وليس أحد يطلبنى بمظلمة فى دم ولا مال” رواه ابن ماجة، ولأن تؤتى إيمانا يسددك، خير من تؤتى مالا يشغلك، فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يؤتى المال من يحب ومن لا يحب، ولا يؤتى الإيمان إلا من أحب، فإذا أحب الله عبدا أعطاه الإيمان” ولنعلم جميعا بأن إن الحزن لا ينافي الصبر فروي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابنا لي قبض فائتنا فأرسل يقريء السلام ويقول إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب.
فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تتقعقع قال حسبته أنه قال كأنها شن ففاضت عيناه فقال سعد يا رسول الله ما هذا ؟ فقال ” هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء” والحذر الحذر من الجزع عند نزول المصيبة فإنها علامة سوء وآية من آيات الخذلان، واعتراض على الرب جل وتقدس ومن مظاهر الجزع والتسخط على قضاء الله وقدره النياحة على الميت والصراخُ والعويل وشق الجيوب ولطم الخدود ونحو ذلك مما هو من طباع أهل الجاهلية، وثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ”
وجاء في صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ” فالصبر الصبر عباد الله فهو المربح والنجاة، وإذا تكالبت عليك الهموم وأحاطت بك الأحزان والغموم فيمم وجهك للحي القيوم وبث الشكوى إليه فهو السامع لكل شكوى العالم بكل نجوى، فاللهم فارج الهموم كاشف الغموم سامع النجوى رافع البلوى يا من عز جاره وجل ثناؤه وتقدست أسماؤه يا غياث الملهوفين ويا رجاء المنقطعين ويا راحم المستضعفين ارزقنا الصبر على البلاء والرضا بمرّ القضا واملأ قلوبنا أنسا بذكرك وطمأنينة بوعدك، ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فاللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين، يا رب ا
لعالمين.


