الرياضة

إيطاليا وإسرائيل… مباراة في الميدان وصراع في الشوارع

بقلم: الجيوفيزيقي محمد عربي نصار

في ليلةٍ كان يُفترض أن تكون رياضية خالصة، تحوّلت مدينة أوديني الإيطالية إلى ساحةٍ تجمع بين كرة القدم والسياسة، بين الهتاف للمنتخب الوطني والاحتجاج ضد الحرب، وبين نشيدٍ وطني على العشب وصدى الغضب في الشوارع.

أولاً: في الميدان… فوز إيطالي بثلاثية وتأهل للملحق

على أرض ملعب داسيا أرينا، قدّم المنتخب الإيطالي أداءً قويًا، محققًا فوزًا بثلاثة أهداف نظيفة على نظيره الإسرائيلي ضمن تصفيات كأس العالم 2026.

سجّل ماتيو ريتيغي هدفين، أحدهما من ركلة جزاء، وأضاف جيانلوكا مانشيني الهدف الثالث في الدقائق الأخيرة، ليؤكد الآتزوري موقعه في الملحق المؤهل ويُبقي على حلم المونديال حيًا.

لكنّ الحدث الأهم لم يكن في المستطيل الأخضر، بل في المدرجات والشوارع المحيطة به.

ثانيًا: صافرات ضد النشيد الإسرائيلي

قبل صافرة البداية، وبينما كان النشيد الإسرائيلي يُعزف، دوّت صافرات الاستهجان من جماهير إيطالية في مشهد نادر الحدوث في الملاعب الأوروبية.

رفع بعض المشجعين لافتات كُتب عليها:

“Free Palestine”

“No to war crimes”

“Stop the occupation”

وهو ما أثار غضب الوفد الإسرائيلي ومراقبي “فيفا”، الذين عبّروا لاحقًا عن “قلقهم من تسييس الحدث الرياضي”.

اللحظة، رغم رمزيتها، كشفت أن القضية الفلسطينية تجاوزت حدود الشرق الأوسط لتصل إلى مدرجات الكرة العالمية.

ثالثًا: الشوارع تشتعل بعد المباراة

ما إن أطلق الحكم صافرة النهاية، حتى انفجرت الشوارع المحيطة بالملعب بموجة احتجاجات واسعة.

خرجت مجموعات من النشطاء الإيطاليين والمتضامنين مع فلسطين إلى الساحات وهم يهتفون:

“Palestina libera!” (فلسطين حرة)

“Fuori Israele dallo sport!” (إسرائيل خارج الرياضة)

“Stop genocide!” (أوقفوا الإبادة)

رفرفت أعلام فلسطين في الهواء، وترددت شعارات باللغتين الإيطالية والإنجليزية تندد بالجرائم في غزة، فيما أحرق بعض الشبان أعلامًا إسرائيلية رمزية.

الشرطة واجهت المتظاهرين بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، واندلعت اشتباكات محدودة أدت إلى إصابة صحفيين اثنين من قناة RAI الإيطالية بجروح طفيفة.

في المقابل، تم تأمين خروج الوفد الإسرائيلي تحت حراسة مشددة من القوات الخاصة حتى مغادرة المدينة.

رابعًا: أوديني تتحول إلى ثكنة مؤقتة

منذ ساعات الصباح الأولى ليوم المباراة، بدت المدينة وكأنها تستعد لحدث أمني أكثر منه رياضي.

نحو ألف شرطي، طائرات هليكوبتر، وحدات قناصة على الأسطح، وطائرات مسيّرة راقبت المشهد من الجو.

أُغلقت المحلات في محيط الملعب، وفُرضت نقاط تفتيش على المداخل الرئيسية، بينما تم تفتيش الجماهير تفتيشًا دقيقًا قبل الدخول إلى المدرجات.

ورغم هذه الإجراءات، فشلت السلطات في منع اندلاع التوترات بعد المباراة، إذ انتشرت مشاهد الاشتباكات واللافتات المؤيدة لفلسطين عبر وسائل التواصل بسرعة هائلة.

خامسًا: كرة القدم بين الرياضة والسياسة

لم تكن هذه أول مرة تمتزج فيها السياسة بكرة القدم، لكنها كانت من أكثر اللحظات وضوحًا في التعبير عن الغضب الشعبي الأوروبي من الحرب في غزة.

فبينما اعتبرت الحكومة الإسرائيلية ما حدث “فشلًا أمنيًا وإساءة إلى رموز الدولة”، رأى النشطاء الإيطاليون أن المشهد كان “صرخة ضمير إنساني في وجه الظلم”.

الإعلام الأوروبي انقسم بدوره بين من أدان “تسييس الرياضة” ومن دافع عن “حرية التعبير في الملاعب”.

سادسًا: تداعيات أوسع… والرياضة تحت المجهر

تداعيات هذه المباراة لن تتوقف عند صافرة الحكم، إذ تدرس “فيفا” فتح تحقيق رسمي حول سلوك الجماهير، فيما يُتوقع أن تُطرح قضية مشاركة إسرائيل في البطولات الدولية مجددًا داخل أروقة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.

أما على المستوى الشعبي، فقد تحوّلت مباراة كرة قدم إلى رسالة سياسية عالمية مفادها أن أصوات الغضب لم تعد تُسكت، وأن فلسطين حاضرة حتى في ملاعب العالم.

الخاتمة

لم تكن مباراة إيطاليا وإسرائيل مجرد مواجهة كروية، بل كانت مرآةً لما يجري في العالم:

حرب في الشرق، وغضب في الغرب، وصوت الشعوب يعلو فوق الصافرة.

في أوديني، لم ينتصر المنتخب الإيطالي فحسب… بل انتصرت الإنسانية وهي تهتف باسم الحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock