فن وثقافة
إيناس عز الدين… حين يتحوّل عيد الميلاد إلى درس في الفقد والأمومة الحقيقية
الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر

في لحظات معيّنة، بتسقط كل الأقنعة، وبتبطل الكلمات مجرّد جُمل عابرة، وبتصير البوح اللي بيكسر القلب وبيفتح أبواب التأمّل.
هيك كان منشور النجمة والمطربة إيناس عز الدين بعيد ميلادها الأخير، أول عيد يمرّ عليها من غير وجود جدتها “ماما ديدا”، المرأة اللي مش بس ربّتها، بل صنعت من حياتها جدار حماية وملاذ، وكأنها قالت للعالم: “أنا أمّهن حتى لو مش أمّن البيولوجية”.
هالكلمات اللي كتبتها إيناس مش مجرد رثاء، هي مرثية فلسفية، وصلاة مفتوحة على جرح ما بيلتئم، وعلى أمومة أكبر من التعريف التقليدي.
المنشور بيحمل صدق مؤلم، صدق بيخلّي القارئ يحس إنو عم يقرأ قطعة من روحها، مش مجرّد كلام.
واللي بيشدّ أكتر إنو عيد الميلاد، المفروض يكون مناسبة للفرح، تحوّل عندها لشهادة على الغياب، وصار اليوم اللي لازم يحتفل فيه الإنسان بحياته، لحظة مواجهة مع موت أقرب الناس.
نص منشور إيناس عز الدين:
“النهاردة أول عيد ميلاد ليا يمر وإنتي مش في الدنيا يا ماما ديدا يا أمي اللي ما عرفتش في حياتي أم غيرها ياللي عوضتيني عن فقدان الأم و الأب والدنيا بحالها طول حياتك وسترتيني انا وأختي و ربيتينا أحسن تربية و إتكسر ضهرك علينا لآخر يوم في حياتك و ضحيتي من أجل تربيتنا بكل ما هو نفيس و غالي وكل ما تملكي و بكره سنويتك الأولى يا نور عيني و روح قلبي يا أعظم أم جت في الدنيا…”
هالكلمات بتنقل الأمومة من تعريفها الضيّق لمعناها الأوسع. “ماما ديدا” ما كانت أم لأنو القدر فرض هيك، بل لأنو هي قررت تكون. الأم الحقيقية هي اللي تختار الشيل، اللي بتختار إنو تضحي، واللي بتقرّر كل يوم إنو تحمي غيرها. وهون بيظهر المعنى الفلسفي للحرية: الحرية مش أنو نعيش لنفسنا، الحرية الحقيقية هي نقرر نعيش لغيرنا.
المنشور:
“إنتي الأم اللي قررت تشيل شيلة مش بتاعتها ومش بس كده دي عاشت تحارب علشان تحمي الشيلة دي اللي هي انا واختي و تسترهم وشيلة انا على يقين إنك قابلتي ربنا بيها و هيكرمك عليها آخر كرم…”
هون بتصير القصة مش بس شخصية، بل إنسانية. التضحية اللي بتعملها الأمومة بتاخد بُعد مقدّس، كأنها عبادة متواصلة. “ماما ديدا” ما كانت بس عم تحمل مسؤولية، كانت عم تصنع معنى جديد لحياتها. وفي الفلسفة، الإنسان بيخلّد نفسه مش بسنين عمره، بل بالأعباء اللي حملها وبالأثر اللي تركه. وهون بيتحوّل الموت مش لنهاية، بل لبداية خلود معنوي.
المنشور:
“بس برضوا انا قدها و قدود لآخر نفس علشان انا تربيتك و بنتك إنتي الست العظيمة القوية اللي علمتني أواجه الدنيا بحالها مادمت على حق…”
بهالجملة، بنشوف كيف قوّة الأمومة بتستمر بعد الموت. “ماما ديدا” ما رحلت فعلياً، لأن قوتها انعكست في شخصية إيناس.
لما الأم بتزرع في قلب أولادها مبدأ الحق، وبتعطيهم صلابة يواجهوا الدنيا، بتكون عم تترك نسخة منها فيهم.
وهون بيتأكد المعنى الأعمق: الموت ما بيقطع السلسلة، الموت بيحوّل الأم لجزء من ضمير ووجدان أولادها.
المنشور:
“فضلاً وليس أمراً هديتكم ليا في عيد ميلادي تكون دعوة للأم المثالية في نظري جدتي ماما_ديدا بكره سنويتها الأولى…”
الطلب هون بيكشف معنى أبسط وأصدق: الدعاء أهم من كل أشكال الاحتفال.
الدعاء بيشكّل الجسر الوحيد اللي بيربط بين عالم الأحياء والأموات، هو نوع من الاستمرارية الروحية.
بإصرارها على إنو هديتها تكون دعوة، عم تحوّل عيد ميلادها من مناسبة شخصية إلى ذكرى جماعية، وكأنها عم تقول: “أنا بدي عيد ميلادي يكون صلاة لروح اللي ربّتني، مش فرحة فردية”.