
يذكر بران (Brain 1960) كواحد من مؤيدى هذا الاتجاه أن العصاب الوسواسي مظهر لمجموعة عوامل ترجع إلى الوراثة غالبا، وقد يكون هذا السبب الذى يجعل العصاب الوسواسي القهرى مرضا يصعب علاجه ( هنا,68: ,1964).
وقد بينت دراسات عديدة وجود تأثير واضح الوراثة فى اضطراب الوسواس القهرى حيث ترتفع نسبة حدوثه فى التوائم المتماثلة (33%-63%) بالمقارنة التوائم غير المتماثلة (7%) وتبدو العوامل الوراثية أكثر وضوحا فى الحالات التى يبدأ فيها ظهور الأعراض قبل سن الرابعة عشرة، كما أن نسبة الإصابة بالوسواس القهرى فى أفراد عائلة المريض أعلى منها فى أفراد المجتمع العاديين، حيث وصلت النسبة إلى 35% بين الأقارب من الدرجة الأولى، مقارنة بنسبة 1% – 3% بين أفراد المجتمع العاديين، كما أن نسبة وجود اضطراب الوسواس القهرى فى آباء وأمهات الاطفال الذين يعانون الوسواس القهرى تصل إلى 18% ( ابو هندى، 2003: 142).
وفى دراسة لبراون Brown درس فيها 20 حالة مصابة بعصاب الوسواس القهرى وجد أن 7% من أبناء هؤلاء المرضى مصابون بنفس المرض (25: 1974, Beech) بينما توصل باتشريا وبراسانا (Bhattacharyya, S& Prasana C.et al.,2005:175-180) إلى أن 67% من أفراد عائلة مرضى الوساوس القهرية فئة المراجعة لديهم نفس الاعراض أيضا
2- عوامل فسيولوجية:
هناك من الشواهد والملاحظات ما يؤكد احتمال نشأة المرض على أساس فسيولوجى منها:
١- ظهوره فى الاطفال بطريقة غير عادية ( حيث لم يكتمل نضج الجهاز العصبى).
٢- وجود اضطرابات فى رسام المخ الكهربائى لهؤلاء المرضى وبطريقة متكررة.
٣- ظهوره مع بعض امراض الجهاز العصبى مثل الحمى المخية، والصراع النفسي الحركى ( عبد الله، 170:2000).
وقد ذهب البعض فى تفسير الوسواس القهرى إلى أن سببه وجود بؤرة كهربائية فى المخ تتسبب فى خلق دائرة كهربائية تحتوى على هذه الفكرة، فتحل الفكرة هذا الجزء من المخ رغم سخافتها، وفى نفس الوقت يدرك المخ زيفها، ولذا فإن المريض على يقين من عدم صدق الفكرة، ولكنه رغم ذلك يفكر فيها ويتفاعل معها (48-2006).
ويتضح من عرض النظريات البيولوجية أنها اعتبرت الاضطراب ناتج عن العوامل والجينات الوراثية وأمراض الجهاز العصبى، أو وجود بؤرة كهربائية نشيطة فى لحاء المخ
3- عوامل سيكودينامية Psychodynamic Aspects:
يرجع رواد مدرسة التحليل النفسي هذا الاضطراب إلى التثبيت على المرحلة الشرجية Anal Fixation من التطور النفسي حيث تدور الصراعات بين الطفل وهو فى السنة الثانية من عمره وبين الام حول النظافة والتحكم فى رغباته، أو بصورة أوضح تتركز الصراعات على قدرته على ضبط عملية التبرز، فهنا تتجسد النظافة والتحكم والخوف من التسيب كمزايا وقدرات يحاول الطفل اكتسابها من أجل أن ينال رضا الام والمجتمع ( ابو هندى، 2004: 171-172) وقد أجمع المحللون النفسيون على أن أسلوب التربية الصارمة والمتزمنة، والإلحاح الشديد على مراعاة الدقة والاستقامة والنظافة والنظام والتمسك بالمعايير الخلقية الصارمة والسلوك النهي عن الانحراف كل هذه عوامل تؤدى إلى حدوث حالات الوسواس القهري، وذلك أن كبت الدوافع والرغبات المحظورة كبتا عنيفا نتيجة تلك الأساليب القاسية فى التربية تولد نفس عقدة الذنب فإذا بالفرد يشعر بالذنب دون أن يدرى لماذا يشعر به، أو ما هى الذنوب التى اقترفها، وهنا يكون اللجوء إلى المرض وسيلة للتخفيف من وخز الضمير، فضلا عن هذا فإن حالات الصراع النفسي التى تكون نتيجة رغبة الفرد فى إرضاء دوافعه وغرائزه ثم خوفه من عقاب الوالدين أو المجتمع أو الضمير تستنفذ شطرا عظيما من طاقته بسبب صراع، كما يجعله عاجز عن تحدى الحياة ومواجهة صعوباتها ( عبد الله, 163:2000)
ويتضح من عرض النظرية التحليلية أن عصاب الوسواس القهرى ناتج عن تثبيت المريض عند المرحلة الشرجية من النمو النفسي، وذلك بفعل الأسلوب الشديد والصارم فى التربية من أجل التحكم فى عملية التبرز.
4- عوامل معرفية Cognitiv Aspects:
تقوم النظرية المعرفية لدى ممثليها: بيك Beck واليس Ellis على مجموعة افتراضات تتركز حول الإمكانيات التي يولد بها الفرد والتى من خلالها يصبح منطقيا أو لا منطقيا ، فنجد لديه الميل إلى تحقيق الذات والاهتمام بالآخرين أو قد يصبح من ناحية أخرى مدمرا لذاته، ويتهرب من المسؤولية ويكره الآخرين، وهذا يتوقف على الطريقة التى يفكر بها الفرد في نفسه وفى العالم الخارجى ( سعفان ، 2003: 53) فنرضى الوساوس القهرية لديهم توقعات مرتفعة جدا لحدوث عواقب غير سارة، مما يجعلهم يزيدون من احتمال حدوث النتائج السلبية لمختلف الافعال، فمحتوى الوساوس لدى معظم المرضى يحتوى على مبالغات بشأن الصحة، والموت والجنس والأمور الدينية والأداء فى العمل بالإضافة إلى اعتقاده بأن طقوسه السحرية يمكن أن تمنع حدوث الكوارث وقد استنتج ريد Reed أن التفكير الوسواسى يتسم بنقص التضمين Underine Lusion أو بزيادة فى تبسيط المفاهيم ، ويرجع كل من الشك وعدم الحسم لدى الوسواسيين القهريين إلى عدم ثقتهم فى استنتاجاتهم ( عبد الخالق ( 2000:290-291)
ويتضح من عرض النظرية المعرفية أن البنية المعرفية لمريض الوساوس القهرية شاذة وغير منطقية، ومن ثم تؤدى إلى استنتاجات غير واقعية، مما يجعلهم يدركون المواقف الحياتية بشكل مبالغ فيه، ويساعدهم فى ذلك تفكيرهم السحرى.
5- العامل البيئى Environmental Aspects:
يؤكد هذا الاتجاه على دور التأثيرات الوالديه فى تكوين السلوك أو الفكر الوسواسي فيرى لافلن Laughlin أن التأثيرات الثقافية والحضارية ذات قيمة كبيرة فى تكور السمات الوسواسية ( هنا- 69:1964) وهو ما يتفق مع شاهين والرخاوى (133:1976) على وحود أسباب بيئية بذاتها تؤدى إلى الإصابة بهذا المرض مثل فرض النظام الشديد أثناء الطفولة أو القسوة الشديدة فى التربية.
وقد تعددت نتائج الدراسات التى تناولت العوامل البيئية والسمات الوسواسية لدى الأبناء منها دراسة كلارك وبولتون (Clark&Bolton, 1985:267-276) والتى أوضحت أن
سمات الشخصية الوسواسية هى سمات شاذة لدى آباء وأمهات الأشخاص المصابين بالوسواس القهرى، فى المغالاة فى النظام والترتيب والعمل والعناد وحدة الطباع كل هذه السمات يجبر بها الآباء أو الأمهات الأبناء
. هذا وتلعب أيضا سمات الوالدين مثل التصلب والتردد دورا مهما فى نشأة اعراض الوساوس والافعال القهرية بالإضافة إلى ميل الآباء إلى استخدام أساليب تنشئة اجتماعية معينة مثل القسوة والنقد والحماية الزائدة، وتحميل الأبناء مسئوليات زائدة د، وفى ضوء هذا الاتجاه يمكن قبول فكرة أن المجتمع الكبير يساهم هو الآخر فى ظهور هذه الأعراض عندما تجده يفضل وجود سمات مثل النظافة والتدقيق والمراجعة لدى أفراده (سعفان 47- 46: 2003)
ويتضح من عرض النظرية البيئية أنها ركزت على التأثيرات الوالديه فى نشأة الاضطراب حيث نيل الوالدين إلى استخدام القسوة والنقد والحماية الزائدة و بافراط فى الشدة والنظام والترتيب.
6- عوامل سلوكية Behavioral Aspects:
يرى أصحاب هذا النموذج ان اضطراب الوسواس القهرى يتطور على مرحلتين، ففى البداية تكون اعراض هذا الاضطراب كالوساوس منبهات قلق حدث لها اشراط تقليدى (بافلوفى) أما اعراض الوساوس القهرية التالية فهى تتجنب التعرض للمنبهات أو تتهيها وتقلل القلق الناتج أو المتوقع ( عبد الخالق، 278:2002) هذا وقد اتخذ مورو Mowrer نموذجين من نماذج التعلم بوصفها مسئولين مسؤلية كاملة عن اكتساب المخاوف وسلوك الوسواس القاهرة وهما : الاشراط التقليدى أو الإجرائي، ويؤدى هذا إلى خفض المخاوف والوساوس القهرية، ويقوى السلوك التجنبى Aviodance Behavior ومن المفيد فى هذا المقام أن نقارن بين التجنب الايجابى والتجنب السلبى ففى التجنب السلبى بحاول الفرد تجنب المنبهات والمواقف التى شأنها أن تحدث القلق، وتثير الشعور بعدم الرضا، وغالبا ما يشير التجنب السلبى إلى المكونات الحركية لسلوك الوسواس القهرى ومثالها كثرة التفحص Checking والنظافة ( عبد الخالق ، والنيال ، 1990:551) وقد أكد البرت باندورا A, Bandura على دور القدوة وملاحظة الآخرين فى تفسير السلوك الوسواسيا القهرى على أنه مكتسب ومتعلم فى الغالب إلى الخبرات الاولى فى الطفولة (46:2003)
ويتضح من عرض النظرية السلوكية أنها اعتبرت الأعراض والمظاهر الوسواسية منبهات للقلق، حدث لها اشراط تقليدى ، وتاتى الأفعال القهرية كنتاج الوساوس ومحاولة لتخفيف ومنع القلق، كذلك اعتبرت المدرسة السلوكية الاضطراب مكتسبات ومتعلما ويرجع إلى الخبرات المبكرة فى الطفولة.
والنظريات المفسرة لاضطراب الوسواس القهرى إلى فئتين:
الاولى : تشمل النظريات البيولوجية والتى اعتبرت الاضطراب ناتجا عن العوامل والجينات الوراثية وأمراض الجهاز العصبى أو وجود بؤرة كهربائية نشيطة فى لحاء المخ.
الثانية: وتشمل النظريات النفسية وان اختلفت فى زاوية الرؤيا الوساوس القهرية إلا أنها اتفقت جميعا على الدور الحيوي للوالدين فى نشأة الاضطراب وبذلك يكون من الصعب حصر اسباب حدوث هذا الاضطراب فى نظرية نفسية واحدة، لذلك فإن تعدد العوامل المسببة لهذا الاضطراب قد يكون أقرب للصواب.



