
بقلم – احمد شتيه
باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى
فى جريمة جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلى الحافل بانتهاك القوانين الدولية ومواثيق حماية الصحفيين، استهدف الاحتلال الصحفى الفلسطينى أنس الشريف أثناء تغطيته للأحداث فى غزة، ما أدى إلى استشهاده، فى مشهد يجسد بوضوح أن الحقيقة باتت هدفًا مباشرًا لآلة الحرب الإسرائيلية.
أنس الشريف، الذى عُرف بمصداقيته وجرأته فى نقل الصورة من قلب الميدان، لم يكن يحمل سوى كاميرته وقلمه، لكن ذلك لم يشفع له أمام رصاص الاحتلال الذى طالما اعتبر الصحافة الحرة عدوًا يفضح جرائمه أمام العالم.
يأتى استهداف أنس الشريف فى لحظة حساسة، مع تصاعد الجرائم الإسرائيلية فى غزة وتزايد الضغوط الدولية على تل أبيب بسبب ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين. وفى ظل هذا الضغط، يسعى الاحتلال إلى إخماد الأصوات الميدانية التى توثق الجرائم بالصوت والصورة، عبر سياسة ممنهجة تستهدف الصحفيين بهدف طمس الحقائق ومنع وصولها إلى الرأى العام العالمى.
تاريخيًا، يلجأ الاحتلال الإسرائيلى إلى تصعيد استهداف الصحفيين فى كل مرحلة تتزايد فيها الانتقادات العالمية لسلوكه الميدانى ، فكلما ارتفعت حدة التغطية الإعلامية وكُشف حجم الجرائم ضد المدنيين، يبدأ الاحتلال فى تنفيذ عمليات اغتيال أو إصابة مباشرة للصحفيين بهدف خلق فراغ إعلامى فى الميدان.
وفى الحالة الراهنة، ومع اشتداد القصف على غزة وظهور تقارير مصورة توثق استخدام أسلحة محرمة دوليًا، أصبح أنس الشريف وغيره من الصحفيين الميدانيين عقبة حقيقية أمام الرواية الإسرائيلية، ما جعل استهدافهم أداة ضمن استراتيجية الحرب، ليس على المقاومة فقط، بل على الحقيقة نفسها.
هذا النمط يبرهن أن استهداف الصحفيين ليس رد فعل عشوائيًا، بل سياسة ممنهجة ومدروسة، تمثل جريمة مزدوجة: اغتيال إنسان، واغتيال الحقيقة.
أثار اغتيال الشريف موجة غضب محلية ودولية؛ فقد أدانت نقابات الصحفيين حول العالم الجريمة، ووصفتها منظمات حقوقية بأنها “انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف” و”جريمة حرب مكتملة الأركان” ، وطالبت الأمم المتحدة بفتح تحقيق مستقل لمحاسبة مرتكبى الجريمة، فيما جددت مؤسسات إعلامية مطالبها بتوفير حماية دولية عاجلة للصحفيين فى مناطق النزاع.
إن اغتيال أنس الشريف ليس حادثًا فرديًا، بل هو حلقة جديدة فى سلسلة طويلة من جرائم الاحتلال ضد الصحافة الحرة.
فإسرائيل تدرك أن الكاميرا أخطر من الرصاصة، وأن الصورة قد تقلب موازين الرأى العام العالمى. لذلك، فإن حماية الصحفيين اليوم ليست مجرد مطلب مهنى، بل واجب إنسانى وأخلاقى يقع على عاتق المجتمع الدولى، وإذا ظل الصمت سيد الموقف، فإن رصاص الاحتلال سيواصل حصد أرواح الشهود قبل أن تصل شهاداتهم إلى العالم.