الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا عزّ إلا في طاعته، ولا سعادة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في ذكره، الذي إذا أُطيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، والذي إذا دُعي أجاب، وإذا استعيذ به أعاذ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أما بعد لقد حث الإسلام علي العمل ونادي به المولي سبحانه وتعالي في كتابه العزيز فقال ” وقل اعملوا ” فينبغي على الفرد أن يعمل ليأكل من كسب يده لأنه أفضل أنواع الكسب، فقد أخرج البخاري عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ” وإن القلب ليحزن حينما يري الشباب وهم في أعز قواهم العقلية والجسدية ومع ذلك يفني الشباب قوته وشبابه في الفراغ.
وفي كل ما حرم الله تبارك وتعالي من ملاه ومشارب وخمور ومجون وغير ذلك، ولو لم يكن الإنسان في حاجة إلى للعمل، لا هو ولا أسرته، لكان عليه أن يعمل للمجتمع الذي يعيش فيه فإن المجتمع يعطيه، فلابد أن يأخذ منه، على قدر ما عنده، ويروى أن رجلا مر على أبي الدرداء الصحابي الزاهد رضي الله عنه فوجده يغرس جوزة، وهو في شيخوخته وهرمه، فقال له أتغرس هذه الجوزة وأنت شيخ كبير، وهي لا تثمر إلا بعد كذا وكذا عاما؟ فقال أبو الدرداء وما علي أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري وأكثر من ذلك أن المسلم لا يعمل لنفع المجتمع الإنساني فحسب، بل يعمل لنفع الأحياء، حتى الحيوان والطير، وينبغي على المسلم في عمله أن يأخذ بجميع الأسباب الموصلة إلى غايته وهدفه مع التوكل على الله تعالى وهذا ما غرسه النبي صلي الله عليه وسلم.
في نفس الصحابي الذي أطلق الناقة متوكلا على الله، وإن كثيرا من الناس يقعد في بيته وينتظر الرزق مع أنه لم يأخذ بالأسباب ولم يسع عليه فكيف يأتيه؟ لذلك رأى عمر رضي رضي الله عنه قوما قابعين في ركن المسجد بعد صلاة الجمعة، فسألهم من أنتم؟ قالوا نحن المتوكلون على الله، فعلاهم عمر رضي الله عنه بدرته ونهرهم، وقال لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وإن الله يقول ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ” وروى ابن أبي الدنيا عن معاوية بن قرة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لقي ناسا من أهل اليمن، فقال من أنتم؟ قالوا نحن المتوكلون، قال بل أنتم المتكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض، ويتوكل على الله، وكان سفيان الثوري رحمه الله.
يمر ببعض الناس وهم جلوس بالمسجد الحرام، فيقول ما يجلسكم؟ قالوا فما نصنع؟ قال اطلبوا من فضل الله، ولا تكونوا عيالا على المسلمين، فيا أخي المسلم إنك لو نظرت إلى الهجرة وسألت نفسك سؤالا لماذا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم سرا بينما هاجر عمر بن الخطاب فى وضح النهار؟ متحديا قريش بأسرها، وقال كلمته المشهورة التى سجلها التاريخ فى صفحات شرف وعز المسلمين وقال متحديا لهم “من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي” فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه، فهل كان عمر بن الخطاب أشجع من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم؟ نقول لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق على الإطلاق، ولكن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأسباب النجاة من التخطيط والتدبير والهجرة خفية وإتخاذ دليل فى الصحراء.
ليعطينا درسا بليغا في الأخذ بالأسباب مع الأمل والثقة في الله تعالي والتوكل عليه، أيعجز ربنا أن يحمل نبيه في سحابة من مكة إلى المدينة في طرفة عين كما في الإسراء والمعراج ؟ فما أجمل الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، فإنظر إلي السيدة مريم عليها السلام، وهي امرأة جاءها المخاض وهو طلق الولادة، ومع ذلك أمرها الله تعالي بهز النخلة والأخذ بالأسباب، مع أنك لو جئت بعشرة رجال ذي جلد وقوة ما إستطاعوا إلا رميا بالحجارة، والله قادر على أن ينزل لها مائدة عليها أشهى المأكولات ولكن الله أراد أن يعطينا درسا بليغا في الأخذ بالأسباب مع الأمل والثقة في الله والتوكل عليه.