صحف وتقارير

الأخلاق الحميدة وطالب العلم

بقلم: أشرف ماهر ضلع

 

الأخلاق هي زينة الحياة، وروح الوجود، وعماد الحضارات. هي الميزان الذي توزن به القلوب قبل أن توزن به العقول، وهي المعيار الذي يرفع الإنسان أو يضعه، فهي تاج على الرؤوس لا يُشترى بالمال ولا يُنال بالحيلة، بل يكتسب بالتهذيب والتربية ومجاهدة النفس. وقد كان الناس ولا يزالون يُقاسون بجميل أخلاقهم قبل أن يُقاسوا بعظيم إنجازاتهم.

وإذا كان العلم نورًا يبدد ظلام الجهل، فإن الأخلاق هي الجدار الذي يحفظ هذا النور من الانطفاء، والسياج الذي يحميه من الانحراف. إن العلم بلا أخلاق قد يكون نقمة على صاحبه وعلى مجتمعه، فهو حينئذٍ سلاح أعمى، وأداة تخريب بدل أن يكون وسيلة بناء. أما حين يقترن العلم بالأخلاق، فإنه يُصبح رسالة سامية، ومنارة هداية، وقوة إصلاح تعمّ خيرها على الإنسانية جمعاء.

 

طالب العلم بين العلم والأخلاق

 

طالب العلم ليس مجرد إنسان يطارد المعلومة من كتاب أو شاشة، ولا هو من يحفظ النصوص والعلوم ليباهي بها الناس. طالب العلم الحق هو من يُدرك أن العلم أمانة، وأن هذه الأمانة لا تؤدى إلا بحسن الخلق. فالتواضع لأستاذه، والرفق بزملائه، والصدق في بحثه، والأمانة في نقله، كلها علامات على نُضج عقله وسمو روحه.

 

وقد حفل التاريخ الإسلامي بنماذج مشرقة من طلاب العلم الذين جمعوا بين الخُلق والعلم، فكانوا قدوة في القول والعمل. فهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول:

“من تعلّم القرآن عظُم قدره، ومن نظر في الفقه نبل، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رقّ طبعه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.”

 

فأي بيان أبلغ من هذا في التأكيد على أن الأخلاق هي التي تصون العلم، وتجعله زادًا نافعًا، لا عبئًا ثقيلاً ولا أداة فساد؟

 

العلم بلا أخلاق.. صرح ينهار

 

إننا إذا تأملنا حال بعض المجتمعات، وجدنا أن كثرة العلوم فيها لم تمنع انتشار الفساد، لأن العلم انفصل عن الأخلاق، والمعرفة تجردت من القيم. فيصبح العالم الكبير أو المثقف المشهور سببًا في انحراف العقول، لأنه جعل من علمه سلعة للهوى، وأداة لمطامع الدنيا.

 

ومن المؤسف أن طالب العلم إذا افتقد الأخلاق، كان ضرره على الأمة أشد من ضرر الجاهل. فالجاهل قد يُعلَّم، أما العالم سيئ الخلق فإنه يضلّ غيره ويُفسد من حوله.

 

الأخلاق أساس النهضة

 

إن الأمة التي تُخرّج علماء بلا أخلاق، إنما تُخرّج أجيالاً مشوّهة، لا تبني حضارة ولا تحفظ كرامة. أما حين يكون طالب العلم قدوة في سلوكه، فإنه لا يكتفي بأن يرفع نفسه فحسب، بل يُلهم من حوله، ويترك أثرًا خالدًا في نفوس الناس.

 

لقد ارتبطت النهضات الكبرى في التاريخ بالأخلاق قبل ارتباطها بالعلوم. فالحضارة الإسلامية حين ازدهرت في بغداد وقرطبة ودمشق والقاهرة، لم تكن حضارة كتب فقط، بل كانت حضارة قيم: الرحمة، والعدل، والأمانة، وحب الخير للناس. ولهذا استطاعت أن تنير العالم، وتُسهم في تطور البشرية.

 

كلمة أخيرة

 

أيها الطالب، يا من تُسابق الزمن لتحصيل المعارف: اجعل من أخلاقك جواز عبورك قبل شهاداتك، ومن صدقك سُلّمًا قبل كتبك، ومن تواضعك تاجًا قبل علمك. إنك بالعلم ترتفع في أعين الناس، وبالأخلاق ترتفع في ميزان الله. فاحرص أن يجتمع لك الشرفان: شرف العقل وشرف الخُلق.

 

فالطريق إلى النهضة يبدأ من مدرسة الأخلاق، وينمو في معهد العلم، ويزدهر في ميدان العمل. وما أحوجنا اليوم إلى طلاب علم يضيئون الدنيا بعقولهم وقلوبهم معًا، لا بعقولهم وحدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock