
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد اعلموا يرحمكم الله أن سلامة الصدر تورث المقامات العالية، حيث قال الفضيل بن عياض رحمه الله لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدر والنصح للأمة، وكما أن سلامة الصدر هي طريق للجنة، حيث قال قاسم الجوعي رحمه الله أصل الدين الورع وأفضل العبادة مكابدة الليل وأفضل طرق الجنة سلامة الصدر، وكما أن سليم القلب والصدر من الأخيار، حيث قال إياس بن معاوية بن قرة رحمه الله.
كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدورا، وقال الإمام الآجري رحمه الله وهو يعدد أخلاق العالم أنه سليم القلب للعباد من الغل والحسد، حيث يغلب على قلبه حسن الظن بالمؤمنين في كل ما أمكن فيه العذر، ولا يحب زوال النعم عن أحد، وقال الإمام ابن جماعة رحمه الله عن أدب المتعلم أن يطهر قلبه من كل غش ودنس وغل وحسد، فلا يصح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبث الصفات ومساوئ الأخلاق ورديتها، وقال الشيخ عبدالكريم الخضير الأصل في قلب المسلم سليم فسلامة الصدر من أوصاف الأخيار، وقال الشيخ سعود الشريم إن سلامة صدر المرء من الغش وخلو نفسه من نزعة الإنتصار للنفس والتشفي لحظوظها لهي سمة المؤمن الصالح الهين اللين الذي لا غل فيه ولا حسد، وكما أن سليم القلب والصدر يتيسر له قيام الليل، حيث قال الإمام الغزالي رحمه الله.
من الأسباب الميسرة لقيام الليل هو سلامة القلب من الحقد على المسلمين، وكما أن سليم القلب والصدر يحفظ جوارحه من الفساد، حيث قال الإمام ابن العربي رحمه الله قوله تعالى ” إلا من أتي الله بقلب سليم ” قيل إنما سأل سلامة القلب لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد إذ الفساد بالجوارح لا يكون إلا من قصد فاسد بالقلب، وسليم القلب والصدر في جنة معجلة في الدنيا، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا وفي جنة في البرزخ وفي الجنة يوم المعاد، وقال رحمه الله وأي لذة في الدنيا أطيب من برّ القلب وسلامة الصدر ومعرفة الرب تبارك وتعالى ومحبته والعمل على موافقته؟ وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم، وكما أن سليم القلب والصدر مقبول عند الناس، وقال الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان.
عن العلامة عبدالعزيز بن باز الشيخ رحمه الله له قبول عند جميع طبقات الناس، ومن أسباب قبول الشيخ سلامة قلبه من الغل والحسد نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا، وكما أن سليم القلب والصدر الناس يثنون ويترحمون عليه، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله لما مات عامر بن عبدالله بن الجراح أبو عبيدة الجراح خطب معاذ رضي الله عنهما، فقال وإنكم فجعتم برجل ما أزعم والله إني رأيت من عباد الله قط أقل حقدا، ولا أبرّ صدرا، ولا أبعد غائلة ولا أشد حياء للعاقبة ولا أنصح للعامة منه فترحموا عليه، وكما أن سليم القلب والصدر يسره ما يسره أخاه المؤمن، وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
ويدل على أن المؤمن يسره ما يسر أخاه المؤمن ويريد لأخيه المؤمن ما يريد لنفسه من الخير وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغش والغل والحقد، فاللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا يا رب العالمين.



