في زحمة الحياة وضجيج الأيام المتسارعة، يظلّ الإنسان يبحث عن منطقة أمان، عن زاويةٍ صغيرةٍ يجد فيها السكون والطمأنينة.
كثيرون يظنّون أنّ الأمان يُصنع بالمكان، أو بالمال، أو بالوعود، غير أنّ الحقيقة تؤكّد أنّ أندر وأبقى أنواع الأمان هو الأمان في الكلام.
فالكلمة أحيانًا تكون ملاذًا ومأوى. نبرة صوتٍ صادقة، رسالة قصيرة، أو حتى نظرة تُقال بلا حروف، قادرةٌ على ترميم ما هدمته المواقف.
إنّ الأمان في الكلام لا يعني المجاملة، بل يعني أن تخرج الكلمة من قلبٍ صادقٍ يعرف كيف يُمسك بوجع الآخرين دون أن يزيده.
نحن لا نحتاج في كلّ مرة إلى من يحلّ مشكلاتنا، بقدر ما نحتاج إلى من يسمعنا بصدق، من يقول لنا: “أنا معك” دون تكلّف، من يختار كلماته كما يختار الطبيب دواء مريضه. فالكلمة قد ترفع روحًا، وقد تُسقط أخرى، ولذلك قيل: الكلمة الطيبة صدقة.
في زمنٍ ازدادت فيه الرسائل الباردة والردود المقتضبة، أصبح الأمان في الكلام عملةً نادرة. نبحث عنه في الأصدقاء، في الأحبّة، في الأسرة، بل وحتى في الغرباء الذين يمرّون بنا مرورًا عابرًا، لكنّهم يتركون أثرًا لا يُنسى.
الأمان في الكلام هو ذلك الشعور الذي يجعلنا نرتاح ونحن نحكي، نثق أنّنا لن نُساء الفهم، وأنّ ما نقوله سيُحاط بلطفٍ لا بحُكم. هو المساحة التي نكون فيها أنفسنا بلا خوفٍ من نقدٍ أو تلميح، حيث تتحوّل الكلمة إلى حضنٍ دافئ بدلًا من أن تكون خنجرًا صامتًا.
ولعلّ أجمل ما في الأمان اللفظي أنّه لا يُشترى ولا يُتكلّف، بل يُولد من نقاء القلب وصدق النية. ومن يتقنه، يمنح من حوله راحةً لا تُقدّر بثمن. فالكلمة الطيبة تسبق الأفعال أحيانًا، وتُعيد التوازن لقلبٍ أنهكه الصمت.
وفي النهاية، يبقى الأمان في الكلام نعمةً لا يدرك قيمتها إلا من فقدها. لذلك، كن ذلك الشخص الذي تُريح كلماته الآخرين، ولا تكن سببًا في وجعٍ جديدٍ يُضاف إلى قلوبهم. فالكلمة قد تُطفئ حريقًا، وقد تُشعله — والاختيار دائمًا بأيدينا.