مقالات وآراء

الإيجابية الزائفة الوجه الآخر للابتسامة

جريدة الصوت

 

كتبت /منى منصور السيد

في زمن أصبحت فيه الإيجابية معيارًا للقوة والنجاح، يُغفل الكثيرون عن الجانب الآخر من العملة. في حوار مع الدكتورة سماح يحيى، نبدأ باستفسار: لماذا تتحول الإيجابية أحيانًا إلى قناع يخفي الألم بدلًا من أن تكون قوة دافعة؟

تُجيب د. سماح: “في الحقيقة، المشكلة ليست في الإيجابية بحد ذاتها، بل في فهمنا المغلوط لها. الإيجابية الحقيقية هي طاقة داخلية تساعدنا على مواجهة التحديات بروح متفائلة، مع الاعتراف الكامل بوجود الألم. أما الإيجابية الزائفة، فهي محاولة لإنكار الألم والخوف من إظهار الضعف. لقد ترسخ في مجتمعنا فكرة أن ‘الحزن ضعف’ وأن ‘الشكوى لا تُحب’، وهذا ما يدفع الكثيرين لارتداء قناع الإيجابية.”

ويدور الحوار حول نقطة جوهرية: لماذا نخشى أن نظهر بمظهر الضعيف؟

تُوضح د. سماح: “لأننا نعيش في ثقافة تُمجّد القوة وتنتقد الضعف. يُنظر إلى الشخص الذي يعبر عن حزنه أو تعبه على أنه غير قادر على ‘تخطي’ المشكلات. هذا الضغط الاجتماعي يجعلنا نفضل الاختباء خلف عبارات مثل ‘أنا بخير’ و’كل شيء يحدث لسبب’، حتى وإن كنا ننهار من الداخل. نحن نحاول أن نكون مصدر طمأنينة للآخرين، لكننا ننسى أننا أحوج ما نكون للطبطبة على أنفسنا أولًا.”

وعن نتائج هذا الإنكار، نستفسر من الدكتورة سماح: ما هي التداعيات المترتبة على هذا الإنكار المستمر للمشاعر؟

تُجيب د. سماح: “نتائجها وخيمة على المدى الطويل. أولًا، يحدث تراكم داخلي للألم غير المعالج. المشاعر المكبوتة لا تختفي، بل تتحول إلى طاقة سلبية تؤثر على صحتنا الجسدية والنفسية. ثانيًا، يشعر الشخص بالوحدة رغم وجود من حوله. فعندما تخفي ألمك، لا يرى أحد حقيقة ما تمر به، وبالتالي لا يستطيع أن يدعمك بالشكل الصحيح. وأخيرًا، تفقد الصدق مع الذات ومع الآخرين، وهذا يضعف العلاقات ويجعلها سطحية.”

وفي محاولة لإيجاد حل، نحاور الدكتورة سماح: إذن، كيف يمكننا استعادة المعنى الحقيقي للإيجابية؟

تُجيب د. سماح: “يجب أن نبدأ بالسماح لأنفسنا بالحزن دون خجل. علينا أن ندرك أن القوة الحقيقية ليست في الإنكار، بل في الاعتراف والاحتواء. الإيجابية الحقيقية لا تنكر الألم، بل تمسك بيدنا ونحن نعبره. القوة تكمن في أن نقول: ‘أنا لست بخير اليوم’. هذه هي الشجاعة الحقيقية، وهذا هو ما يعيد لنا إنسانيتنا.”

وفي ختام الحوار، يُطرح سؤال هام: كيف يؤثر هذا الإنكار على علاقاتنا وأطفالنا؟

تختم د. سماح حديثها: “عندما نتبنى الإيجابية الزائفة، فإننا نرسل رسالة غير واعية لمن حولنا، وخاصة لأطفالنا، بأن المشاعر السلبية غير مقبولة. يتعلم الطفل أن إظهار الحزن أو الغضب هو أمر خاطئ فيلجأ إلى كبت مشاعره أيضًا. وهكذا، تنتقل هذه الدائرة السلبية من جيل إلى جيل. التغيير يبدأ عندما نُقر بأن من حقنا أن نتألم، وأن الاعتراف بالوجع لا يُنقص من قوتنا، بل يُعيد لنا إنسانيتنا ويمنحنا الفرصة للشفاء الحقيقي.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock