يشهد علم النفس الإيجابي، الذي يركز على دراسة القوى والفضائل التي تمكّن الأفراد والمجتمعات من الازدهار، اهتمامًا متزايدًا بمفهومي التسامح والتراحم، باعتبارهما من أهم مكونات الصحة النفسية وطيب الحياة فليست هذه الصفات مجرد قيم أخلاقية، بل هي آليات نفسية قوية تعمل على تحرير الذات وتعزيز التوافق الداخلي والخارجي.
التسامح: تحرير الذات من أعباء الماضي
يُعرّف عالم النفس بوب إنرايت (Bob Enright)، الرائد في دراسة التسامح، التسامح الحقيقي بأنه يتجاوز مجرد التخلي عن المشاعر السلبية (كالغضب والاستياء) ليقدم شيئًا إيجابيًا، وهو الشعور بالتعاطف والتفاهم تجاه من أساء إليك. تشير الدراسات العلمية إلى أن ممارسة التسامح لها آثار عميقة على الصحة النفسية والجسدية حيث يساهم التسامح في تخفيف مستويات التوتر والإجهاد النفسي، ويقلل من أعراض القلق والاكتئاب التي تنتج عن التمسك بالغضب
* تعزيز طيب الحياة: يُعد التسامح أحد الفضائل الأساسية التي يدرسها علم النفس الإيجابي، كونه ينمي انفعالات إيجابية مثل التفاؤل والتوافق النفسي والسعادة فالتسامح هو هدية يقدمها المرء لنفسه ليتحرر من عبء الماضي.
أما التراحم الذاتي (Self-Compassion)، الذي يُعد تطوراً مهماً في علم النفس الإيجابي، فيركز على كيفية تعامل الأفراد مع أنفسهم بلطف وفهم عند مواجهة الفشل أو المعاناة. بدلاً من النقد الذاتي القاسي، يدعو التراحم الذاتي إلى:
* اللطف مع الذات: التعامل مع الذات بكياسة ولطف، بدلاً من اللوم القاسي.
* الإنسانية المشتركة: إدراك أن المعاناة والعيوب هي جزء من التجربة الإنسانية المشتركة وليست عيبًا شخصيًا
* اليقظة الذهنية: الانتباه إلى المشاعر السلبية دون تضخيمها أو كبتها.
تؤكد الأبحاث أن ممارسة التراحم الذاتي لا تعني الضعف، بل هي أساس للمرونة النفسية العالية، وتساعد على تقبل العيوب والمضي قدمًا نحو النجاح، حيث وُجد أن جلد الذات العالي يرتبط بأقل الإنجازات. كما أن التراحم مع الذات هو أداة ضرورية قبل محاولة مسامحة الآخرين .
الخلاصة
إن تبني قيم التسامح والتراحم ليس مجرد خيار أخلاقي، بل هو استراتيجية نفسية فعالة لعيش حياة أكثر سعادة وتوازنًا. يدعونا علم النفس الإيجابي إلى دمج هذه الفضائل كقوى داخلية، حيث يعمل التسامح على شفاء جروح العلاقات الخارجية، بينما يغذي التراحم الذاتي العلاقة الأساسية والأكثر أهمية علاقتنا بأنفسنا.