دين ومجتمع

التعليم بإستخدام الأشياء الحقيقية 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة القوي الجبار، شديد العقاب وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، رب الأرباب ومسبب الأسباب وقاهر الصلاب وخالق خلقه من تراب قاصم الجبابرة وقاهر الفراعنة والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعباد، ليبين لهم الحلال والحرام وليحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أما بعد ذكرت المصادر التربوية والتعليمية أن من أساليب التعلم هو إستخدام الأشياء الحقيقية في الأمثلة للتعلم من خلالها، فقد جاء في جملة من الأحاديث الشريفة أن الرسول صلى الله عليه وسلم إستخدم الأشياء الحقيقية في تعليم أصحابه مثل الحرير والذهب والوبر ونحوها، ومن المسلم به تربويا أن التعليم بإستخدام الأشياء الحقيقية أشد وضوحا وأبقى من التعليم اللفظي المجرد.

 

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إحدى يديه ثوب من حرير، وفي الأخرى ذهب، فقال ” إن هذين محرم على ذكور أمتي حل لإناثهم” ولا شك أن رفع الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم للحرير والذهب في يديه الشريفتين، أقوى بيانا، وأعمق أثرا من القول إن الذهب والحرير محرمان، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم، ثم تناول شيئا من البعير، فأخذ منه قردة، يعني وبرة، فجعل بين إصبعيه، ثم قال ” يا أيها الناس، إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار ” فهنا نجد أن الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين للمسلمين شناعة الغلول من الغنائم.

 

مهما كان الشيء المغلول تافها، غير أنه صلى الله عليه وسلم لم يكتفي بالكلام وحده، بل لجأ إلى إستخدام الأشياء الحقيقية وسيلة لتوضيح المقصود، فأخذ صلى الله عليه وسلم بين إصبعيه وبرة من جلد البعير، مبلغا إياهم أن ذلك رغم تفاهته معدود من الغنائم، ولا شك أن ذلك أشد وضوحا، وأجلى بلاغا من الكلام وحده، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلا من بعض العالية، والناس كنفته، فمر بجدي أسك، أي صغير الأذنين ميت، فتناوله فأخذه بأذنه، ثم قال صلى الله عليه وسلم ” أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال أتحبون أنه لكم؟ قالوا والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك، فكيف وهو ميت فقال صلى الله عليه وسلم ” فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ”

 

فانظر يا أخي القارئ كيف بيّن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم المفهوم الذي أراد إيصاله إلى أصحابه مستخدما هذه الوسيلة العجيبة من الوسائل المعينة، فإنها وسيلة يراها الناس، ويمرون بها كثيرا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستخدمها أداة لتوضيح قيمة الدنيا التي يتهافت الناس، بل ويقتتلون عليها وإن هذا الدرس في تفاهة الدنيا عند الله تعالي جوار الآخرة، لا يمكن أن يمحى من الذهن أو ينسى من الذاكرة، لإرتباطه بالجدي الأسك الميت، وبمسلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يأخذ بأذنه ويسألهم ” أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ ويجيبون، ويسألهم حتى يقرر لهم الحقيقة المرادة في النهاية والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأجارني وإياكم من خزيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock