
الحضانة في شرع الله ليست مجالاً للأهواء، ولا ساحةً للتلاعب بالحقائق. إنها حقٌّ قرّره القرآن الكريم والسنة النبوية للرجل، صاحب الولاية والمسؤولية، حتى وإن كان الولد رضيعاً. وهذه حقيقة يطمرها كثيرون، إما جهلاً أو عمداً، رغم أن آيات الله ناطقة بها لا تحتمل اللبس.
يقول سبحانه وتعالى في محكم التنزيل:
“وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ، وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ”.
الآية صريحة: النفقة على الأب إلى أن تضع المطلقة حملها. فإن رغبت في إرضاع الطفل فذلك “لكم” أي للرجال، بأجر معلوم. وإن وقع تعاسر أو نزاع، فإن الله جعل الحل واضحاً: “فسترضع له أخرى”.
لم يقل سبحانه “لها”، ولم يترك الأمر غامضاً. بل قال “له”، لأن الولد له، والنفقة له، والولاية له.
فهل يبقى بعد هذا نصيب للأم من الحضانة إن اختار الأب مرضعة أخرى؟
الجواب: لا. ليس لها حينئذ إلا حق الرحم في رؤية ولدها.
وهذا هو منطق القرآن الكريم، لا منطق الأنظمة التي تتجاهل نصوص الوحي تحت دعاوى الحداثة و”تحرير المرأة” و”حقوق الإنسان”.
ثم يأتي البعض ليقول: “الحضانة ليست مذكورة في القرآن”، ويقتطعون من حديث النبي ﷺ ما يوافق أهواءهم. يستدلون بقول النبي ﷺ: “أنتِ أحق به ما لم تنكحي”، ويتناسون أن للحديث سياقاً كاملاً يغيّر كل شيء.
فقد جاءت امرأة تشكو للنبي ﷺ فقالت:
“إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني ويريد أن ينتزعه مني.”
فقال لها النبي ﷺ: “أنتِ أحقُّ به ما لم تنكحي.”
انظروا لعبارتها:
قالت “كان بطني له وعاء” — الحمل انتهى.
لكنها لم تقل “كان” عندما قالت: “وثديي له سقاء وحجري له حواء”.
أي أنها تتكلم عن حاضرٍ قائم: طفلٌ رضيع يحتاج إلى سقاء ورعاية ولصوق دائم. لذلك قال لها النبي ﷺ إنها أحق بالرضاعة، ما دامت غير متزوجة.
أما الحضانة، فليست لها في النصوص لا أصلاً ولا تفريعاً.
ويزيد القرآن بياناً فيقول تعالى:
“والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف.”
“المولود له” — الولد ينسب للأب.
“والوالدات يرضعن” — للأم حق الرضاعة، لا الحضانة.
لكن اليوم، تُقلب المفاهيم، وتُحجب النصوص، ويُستبدل الوحي بأنظمة مستوردة تخترقها التيارات النسوية العالمية التي تعمل على تفكيك الأسرة وإضعاف الولاية الشرعية للرجل.
ويُقال للناس: “هذه هي العدالة”! بينما الحق ما قاله الله، وما حكم به رسوله، وما فهمه السلف منذ قرون.


