الدكتورة يسرا شعبان.. حقوق المسنين بين النصوص القانونية وواقع الإهمال
كتب/ أحمد الكومي

صرحت الدكتورة يسرا شعبان مدرس القانون بكلية الحقوق جامعة عين شمس عضو اللجنة التشريعية بالمجلس القومي للمرأة وعضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، بأنه لا يمكن إغفال حالياً وجود نصوصاً قانونية صريحة تعاقب الإهمال تجاه المسنّين في مصر، وأن قانون رعاية حقوق المسنين (قانون رقم 19 لسنة 2024) يعرّف الإهمال ويجعل من «التقصير عن توفير الرعاية أو الإشراف أو توفير الضروريات للمسن إلى حدّ قد ينتج عنه ضرر» عملاً يُعاقَب عليه قانوناً.
وأضافت عضو اللجنة التشريعية بالمجلس القومي للمرأة وعضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، بأن هناك حالياً إطاران قانونيان متكاملان في مصر، الأول، هو قانون رعاية حقوق المسنين (قانون رقم 19 لسنة 2024) والذي يضع تعاريف للإساءة والإهمال ويُنظّم واجبات الدولة وأسلوب الحماية والعقوبات الجزائية والإدارية المتعلقة بالتعرض للخطر أو الامتناع عن الرعاية، ويغطي الإهمال الأسري صراحةً ويحدّد عقوبات، والثاني هو قانون الحماية من العنف الأسري (قانون رقم 16 لسنة 2020) والذي يوفر آليات حماية (أوامر حماية، مراكز إيواء، سرية الإجراءات، إلخ) ويُصنّف أشكال العنف التي قد تقع داخل الأسرة بما في ذلك الامتناع عن تقديم النفقة أو الخدمات الأساسية.
وأشارت الدكتورة يسرا شعبان، بأنه يترتب على ذلك عملياً بأن هناك إحتمالان مقرّان قانونياً: (أ) إذا توافرت علاقة سببية مباشرة بين إهمال الأبناء (أو المكلفين بالرعاية) وبين وفاة المسنّ — يجوز توجيه تهمة القتل الخطأ/القتل نتيجة الإهمال طبقاً لنصوص قانون العقوبات (القتل الخطأ لسبب الإهمال يردّ جزائيًا ويعاقب عليه حسب المادة ذات الصلة)، (ب) وبالتوازي قد تُحال الواقعة إلى النيابة العامة بتكوين تهم جنائية مستقلة وفق قانون رعاية المسنين (مثل عقوبة الإهمال أو الامتناع عن الرعاية التي يحددها قانون المسنين)، وأن من الناحية العملية، ثبوت «الرابط السببي» بين الإهمال والوفاة (بمقررات الطب الشرعي والقرائن) هو العنصر الحاسم لرفع تهمة القتل الخطأ.
وأوضحت عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، أن واقعة ترك الأب/الأم وحدهم دون رعاية داخل الشقة يمكن أن تعد «عنفاً أسرياً» وليس مجرد تقصير أخلاقي إذا إرتبطت بالحرمان من ضروريات الرعاية (طعام/دواء/علاج) أو بالعزل والإمتناع عن تقديم الرعاية أو كانت جزءاً من نمط إساءة أو إستغلال، وأن قانون الحماية من العنف الأسري يوسّع مفهوم العنف ليشمل الإيذاء البدني والمعنوي والإمتناع عن النفقة أو الرعاية، وقانون رعاية المسنين يَعدّ عزله أو الإمتناع عن تقديم الرعاية من صور «التعرّض للخطر» للمسن. إذن: الوقائع الواقعية (هل المسن عاجز؟ هل حُرِم من دواء/طعام؟ هل الحالة متكررة؟) هي التي تحوّل «التقصير الأخلاقي» إلى فعل يدخل في إطار «العنف الأسري» أو جريمة جزائية.
ونوهت الدكتورة يسرا شعبان، إلى أن هناك فرق قانونياً بين العنف المباشر (كالضرب) والعنف السلبي (التجاهل أو الإهمال)، والفرق يكون في البُنية الجنائية: الضرب والجرح أفعال مادية تُؤثَّث عنها جرائم واضحة في قانون العقوبات (معدلات عقوبات تختلف حسب شدّة الإصابة ونية الفاعل والوسائل المتّبعة)، أما الإهمال/الإمتناع فهو سلوك سلبي تتوافر عناصره (التقصير، القدرة على الرعاية، النتيجة أو الخطر الناتج)، ويتم التعامل معه في نصوص متخصِّصة (قانون رعاية المسنين) وفي حالات الخطأ الجسيم يمكن أن يصل الأمر إلى تكييف جنائي أشد مثل القتل الخطأ إن نتجت وفاة، مشيرة إلي أن العقوبات لا تكون نفسها بالضرورة: عادةً الإعتداء البدني العمد قد يحمل عقوبات أشدّ (سجن أطول، بل قد يصل لعقوبات أشدّ إذا أفضى إلى مضاعفات)، بينما الإهمال تحكمه نصوص مثل المادة 46 من قانون رعاية المسنين (جزاءات محددة بالحبس والغرامة) وإذا أدّى الإهمال إلى وفاة فتحمل مرتكبَه مسئولية أوسع تحت نصوص القتل الخطأ في قانون العقوبات.
وقالت عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، أن النيابة العامة تختصّ بالتحقيق في جرائم العنف الأسري والجرائم الجنائية الأخرى، ويمكن للنيابة أن تتحرَّك بناءً على بلاغ أو إحالة شرطية إذا وُجدت دلائل على الإمتناع عن الرعاية أو الإهمال الجسيم، وأن نصوص قانون رعاية المسنين تفرض عقوبات على «المكلّف برعاية المسن» إذا أهمل واجباته، وقانون الحماية من العنف الأسري يمنح النيابة والجهات المختصة صلاحيات للتحقيق وإصدار أوامر حماية. عملياً: لو وُجدت مستندات طبية/فواتير علاج/إقرارات بعدم تقديم رعاية رغم القدرة المادية فذلك يقوّي مسار تحريك الدعوى، وأن لكبار السن أنفسهم، الحق في التقدم بشكوى مباشرة إلى الشرطة أو إلى النيابة العامة، كما يمكن للغير مثل الجيران، الجمعيات، الجهات الإدارية أو فريق التدخّل السريع بوزارة التضامن الإبلاغ نيابةً عن المسنّ. كذلك يوفر قانون الحماية آليات أوامر حماية وإيواء وتدخّل سريع، كما ينص قانون المسنين على آليات قضائية وإدارية للحماية مع مراعاة خصوصية حالة المسن وحقوقه أثناء إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة.



