مقالات وآراء

الدين العام تحت السيطرة … قراءة هادئة فى تصريحات رئيس الوزراء

كتب -أحمد شتيه

في توقيت بالغ الحساسية اقتصاديًا وسياسيًا، جاءت تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، حول خفض نسبة الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة، لتفتح بابًا واسعًا من التساؤلات والتحليلات حول دلالات هذه الرسائل، وأسباب إطلاقها الآن، وما تحمله من أبعاد حقيقية على الاقتصاد المصري، والأهم: ماذا تعني للمواطن البسيط؟

تصريحات رئيس الوزراء لم تكن مجرد أرقام عابرة، بل حملت رسالة واضحة بأن الدولة المصرية تسير بخطى ثابتة نحو تقليص عبء الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو المؤشر الأهم عالميًا لقياس سلامة أوضاع الدول المالية.
وخطورة وأهمية هذه التصريحات تكمن في أنها تصدر عن أعلى مستوى تنفيذي في الدولة، وتعكس ثقة الحكومة في المسار الاقتصادي، بعد سنوات من الإصلاحات الصعبة والقرارات غير الشعبية.

خفض الدين العام لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج عدة عوامل متراكمة، أبرزها: تحقيق انضباط مالي صارم عبر ترشيد الإنفاق العام، وإعادة توجيه الموارد نحو قطاعات إنتاجية.
زيادة الإيرادات العامة نتيجة توسيع القاعدة الضريبية دون تحميل أعباء جديدة على محدودي الدخل.
تحسن مؤشرات النمو الاقتصادي رغم التحديات العالمية، ما ساعد على رفع الناتج المحلي وتقليل نسبة الدين.
إدارة ذكية لملف الديون عبر إطالة آجال السداد، وتنويع مصادر التمويل، وتقليل الاعتماد على الديون قصيرة الأجل مرتفعة التكلفة.

التوقيت ليس عشوائيًا، فالتصريحات تأتي في ظل: ضغوط اقتصادية عالمية غير مسبوقة.
تشكيك خارجي متعمد في قدرة الاقتصاد المصري على الصمود واحتياج الدولة إلى تعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية.
من هنا، يمكن قراءة تصريحات مدبولي كرسالة طمأنة مزدوجة: للداخل بأن الإصلاح بدأ يؤتي ثماره، وللخارج بأن الاقتصاد المصري ما زال قادرًا على التعافي وتحقيق الاستدامة.

خفض نسبة الدين العام ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد من خلال: تقليل فاتورة خدمة الدين، ما يتيح توجيه مزيد من الموارد للصحة والتعليم والحماية الاجتماعية وتحسين التصنيف الائتماني لمصر، وبالتالي خفض تكلفة الاقتراض مستقبلًا.
زيادة جاذبية الاستثمار الأجنبي نتيجة تحسن المؤشرات الكلية ، بمعنى آخر، نحن أمام تحول من اقتصاد مُثقل بالأعباء إلى اقتصاد أكثر قدرة على الحركة والمناورة.
والسؤال الاهم ماذا عن المواطن المصري؟
و هل يشعر المواطن بذلك؟
الإجابة الواقعية: الأثر لا يكون فوريًا، لكنه تراكمي ، فخفض الدين يعني على المدى المتوسط استقرار أكبر في الأسعار وقدرة الدولة على تحسين الأجور والخدمات ، تقليل احتمالات الصدمات الاقتصادية المفاجئة.
وإن لم يشعر المواطن اليوم بتحسن مباشر، فإن هذه الخطوات هي الأساس لأي انفراجة حقيقية قادمة.

تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي ليست مجرد إعلان حكومي، بل محاولة واعية لإعادة صياغة الثقة بين الدولة والمواطن، وبين مصر والعالم.
لكن النجاح الحقيقي لا يقاس بالأرقام وحدها، بل بقدرة الحكومة على ترجمة هذا التحسن المالي إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية.
خفض الدين خطوة شجاعة ومهمة، لكنها لن تكتمل إلا باستمرار دعم الإنتاج، وضبط الأسواق، وحماية الفئات الأكثر تأثرًا. عندها فقط، يمكن القول إن الدولة انتقلت من مرحلة “تحمل الألم” إلى مرحلة “جني الثمار”.
والأيام القادمة كفيلة بالإجابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock