في زمن لم تعد فيه الحروب تُخاض فقط بالدبابات والطائرات، ظهر سلاح جديد لا يقل خطورة، سلاح صامت لكنه واسع التأثير، يُعرف اصطلاحًا بـ”الذباب الإلكتروني”.
مصطلح بات يتردد بقوة في المشهدين الإعلامي والسياسي، خاصة مع تصاعد حملات منظمة تستهدف الدولة المصرية على نحو متزامن وممنهج.
الذباب الإلكتروني هو مجموعات منظمة من الحسابات الوهمية أو المُدارة مركزيًا على مواقع التواصل الاجتماعي، تُستخدم لنشر الشائعات، وتزييف الوعي، وتوجيه الرأي العام عبر تكرار الرسائل نفسها بطرق مختلفة، بما يخلق انطباعًا زائفًا بأن هناك رأيًا عامًا واسعًا يتبنى هذه الأفكار.
لا يعبر الذباب الإلكتروني عن رأي شعبي حقيقي، بل عن رأي مُصنّع تم تمويله وتوجيهه بعناية، يعتمد على التضليل، والقص واللصق، واجتزاء الوقائع، وإثارة الغضب والإحباط.
استهداف مصر في هذا التوقيت ليس عشوائيًا، بل يرتبط بعدة عوامل متداخلة:
ثقل الدولة المصرية إقليميًا: مصر لاعب محوري في ملفات شديدة الحساسية: القضية الفلسطينية، أمن البحر الأحمر، ليبيا، السودان، وأمن الطاقة. هذا الدور يزعج أطرافًا لا ترغب في استقرار المنطقة.
تماسك الدولة رغم الأزمات العالمية: رغم التحديات الاقتصادية العالمية، استطاعت مصر الحفاظ على استقرار مؤسساتها، وهو ما أفشل رهانات الفوضى التي تراهن عليها قوى معادية.
الانتقال من الضغط المباشر إلى الحرب النفسية:
بعد فشل أدوات الضغط التقليدية، جرى اللجوء إلى سلاح الوعي، باعتباره الأرخص والأسرع تأثيرًا، عبر بث الإحباط وضرب الثقة بين المواطن والدولة.
ما نشهده ليس حملات فردية أو عشوائية، بل تصعيد منظم : زيادة عدد الحسابات الوهمية.
توحيد الهاشتاجات في توقيتات محددة.
إعادة تدوير الشائعات القديمة بثوب جديد.
استغلال أي أزمة أو حدث، مهما كان بسيطًا، وتحويله إلى مادة تشكيك وهجوم.
هذا النمط يؤكد أن هناك غرف عمليات رقمية تعمل وفق خطط مدروسة، لا مجرد تفاعلات عفوية.
التمويل يقف خلفه خليط من: جهات معادية إقليميًا ترى في مصر عقبة أمام مشاريعها
، تنظيمات فقدت نفوذها وتسعى للانتقام عبر تشويه الدولة ، منصات إعلامية مشبوهة تتبنى خطابًا واحدًا وتغذيه رقميًا ، مصالح اقتصادية وسياسية تضررت من استقرار القرار المصري.
اللافت أن هذه الأطراف، رغم اختلاف شعاراتها، تتوحد في خطاب واحد عندما يتعلق الأمر بمصر.
المواجهة لا تكون بالقمع أو الصمت، بل بالوعي والعمل المنظم: كرفع الوعي الرقمي وتعليم المواطنين كيفية التمييز بين الخبر والشائعة، والحساب الحقيقي والمزيف.
عدم الانسياق وراء الاستفزاز: الذباب يعيش على التفاعل، وأفضل وسيلة لقتله هي تجاهله.
تعزيز الإعلام المهني: إعلام يسبق الشائعة بالمعلومة، ويشرح الأزمات بصدق دون تهويل أو تزييف.
دعم خطاب العقل: تشجيع النقاش الموضوعي، وعدم ترك الساحة للأصوات الصاخبة فقط.
الذباب الإلكتروني ليس دليل قوة، بل علامة ضعف ، من يلجأ إليه يدرك أنه فشل في كسب العقول بالمنطق، فلجأ إلى خداعها بالتكرار والضجيج.
ومصر، التي واجهت الإرهاب بالسلاح، قادرة على مواجهة الإرهاب الرقمي بالوعي.
فالدول لا تسقط بالشائعات، بل تسقط عندما تفقد ثقتها بنفسها، وهذا ما لم يحدث ولن يحدث.
المعركة اليوم معركة وعي، والرهان الحقيقي هو على المواطن المصرى عندما يفهم، فلن يُخدع.