
إن الكائنات الحية أممٌ أمثالنا كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى حين قال:{وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} (الأنعام:38). إنَّ الكائنات الحية كالحيوانات والطيور والحشرات تتألَّم وتتكلم كما حَذَّرت النّمْلةُ باقي النمل عند قُدُوم النبي سُليمان وجنوده، إنَّ تلك المخلوقات تشعر مثلما نَشْعُر فهي تفرح وتحزن وكذلك بدخلها العواطف المعروفة كعاطفة الأبوة وعاطفة الأمومة… وغيرها. إنَّ الرحمة والعدل مع هذه الأمم لزاما على أي مجتمع يريد رضا الله ورحمته فمَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَم ولتجنُّب غضب الله سبحانه وتعالى لقد دخلت امراةُ النارَ في هرَّةٍ حبستها، من يريد النهضة والتقدم وصُنع حضارة عظيمة يجب عليه الالتزام بأوامر الخالق سبحانه وتعالى، ولن يكون هناك تعاون وتكاتف دون رحمة وعدل لأن المجتمع حينها سَيُصبح مجتمعا غابِي يأكل فية القويُّ الضَّعِيفَ، وعِندما يغيب العدل وتتلاشى الرحمة يصبح المجتمع ظالما قاسيا فيَفسَد وينهار.
وعندما تجد العصافير حبيسة في الأقفاص المُعلَّقَة في الشُّرُفات فاعلم أنك في مجتمع جاهل وقاسٍ ومفسد؛ فلم يَخْلق الله للطيور أجنحة تستطيع بها طيران آلاف الأمتار مِن أجل وضعها داخل سُجونٍ صغيرة كما لم يخلق الله للناس أرجل حتى تقضي حياتها جالسة فالارجل تحمل الإنسان مئات بل آلاف الأمتار يوميا وكذلك أرجُل الحيوانات وأجنحة الطيور.
كذلك لم تُخلَق الكلاب والقطط لتُوضَع في البيوت كديكور أو كدعمٍ نفسي للإنسان داخل منزله بل خَلق اللهُ لها أربعة أرجل لتتحرك بها مسافات كبيرة تَصِل إلى بضعة كيلومترات وأنياب لتُناسِب طبيعة غذائها، فالحيوانات المستأنسة لها فطرةٌ وطبيعةُ حياة لا يَحِقّ لأحدٍ تغييرها، ولابد من الالتزام بالقواعد الطبيعية في استئناس تلك الكائنات فليس من المعقول وضع طوقٍ وحبلٍ للكلب مستغلين طاعته لنا أو تقييده برباطٍ أمام منزل أو مزرعة أو محلٍ تُجاري فتَرْكه حُرا لن يؤذي المارَّة في الشارع الذين لم يعتَدوا على المكان بل إنَّ تَرْكه حُرًا أمام المنزل هو أمْرٌ أكثر أمنًا لنا حتى يستطيع مجابهة اللصوص أو المُعتدين.
كذلك ليس مِن العدل أو الرحمة وضع الأسماك الصغيرة الجميلة التي يُسمّونها أسماك الزينة في أحواض زجاجية، إن هذه الأُمم مِن الأسماك الصغيرة خُلِقت لأهداف أخرى فلها دورٌ في النظامِ البيئي والسلسلة الغذائية وغيرها مِن الأُمور التي يعلمها الله سبحانه وتعالى ولم تُخلَق لتُحْبَس داخل أقفاصٍ زجاجية لتُمتِع هؤلاء القُساة.
كما أحلّ الله لنا صيد البحر ولكن هل أحَلَّ الله لنا وضع سِن سِنّارة في سَمَكةٍ صغيرة حية فتتألم لنصطاد بها سَمَكة أكبر!، إن هذه الطريقة القاسية تُعَبِّر عن قسوة صاحبها أو عن جهله.
إن مَن يؤذي الكائن الحي بجهلِه أو مُتَعمّدًا لن يتوانى عن إيذاء بني جنسهِ سواء في العمل أو في الشارع أو حتى في البيت وقد رأينا العديد من المُدِيرين يَصْرُخون في المرؤوسين معتقدين أن سُلوكهم صائبٌ وأنَّ هذا السلوك هو طَريقة مِن طُرُق الإدارة، بل يُمْكِنك أنْ ترى بعض الأُمهات يَصْرُخن في رُضَّعِهن أو يَضْرِبن صِغارهن.
فإذا أرَدْنا الرِّفْعة والنهضة لمُجْتَمعٍ ما لابد مِن نَبذ العُنف وبَثّ الرحمة والعدل في قلوب أفراده حتى ينشأ مُجْتَمَعًا قويًا عظيمًا وذلك بتعديل ثقافته بالتثقيف والتوعية المستمرة.
محمد عبد المرضي منصور
أديب مصري



