دين ومجتمع

الرشوة ..ما تدنس بها أحد إلا وحُجبت دعوته

كتب-محمد الدكرورى

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن الرشوة وعن أضرارها علي الفرد والمجتمع، ولكن لماذا تدفع الرشوة؟

فالإجابة هي لطمس الحق أو سكوت على باطل، وتقديم لمتأخر وتأخير لمتقدم، ورفع لخامل ومنع لكفء، وتغيير للشروط، وإخلال بالمواصفات، وعبث بالمناقصات، وتلاعب في المواعيد، في أغراض لا تتناهى، والرشوة ما يدخل فيها امرئ إلا ومحقت منه البركة في صحته ووقته ورزقه وعياله وعمره، وما تدنس بها أحد إلا وحجبت دعوته وذهبت مروءته، وفسدت أخلاقه ونزع حياؤه وساء منبته، وفي الحديث الشريف.

” كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به” وقيل وما السحت؟ قال “الرشوة في الحكم ” رواه ابن جرير وغيره، والرشوة أيها الناس نقص في الديانة وضياع للأمانة وعلامة على الخيانة، فكم من مظالم انتهكت، وكم من دماء ضُيعت، وكم من حقوق طمست، ما أضاعها وما طمسها إلا الراشون والمرتشون فحسبهم الله تعالي الذي لا تنام عينه، وويل لهم مما عملت أيديهم وويل لهم مما يكسبون، وما تقدمت بلاد الغرب على بلاد المسلمين بذكاء في عقول أبنائها، ولا بفساد أخلاقها وأعراضها، ولا بتحرر نسائها، كما يقول أهل الغش والتدليس والتغريب من دعاة الفساد والإفساد، ولكنها تقدمت بأنظمة صارمة تجاه الغش والرشوة وجميع أنواع الفساد الإداري والمالي، لا محاباة فيها لأحد، ويؤاخذ بها الكبير والصغير على حد سواء، ومن المقررات في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

أن هدايا العمال غلول، والمراد بالعمال كل من تولى عملا للمسلمين، وهذا يشمل السلطان ونوابه وموظفيه، أيا كانت مسؤولياتهم، ومهما إختلفت مراتبهم وتنوعت درجاتهم، فقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال ” إستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني أسد يقال له ابن اللتبية على صدقة، فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ” ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول هذا أهدي لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ألا هل بلغت ثلاثا” ففي هذا الحديث يا عباد الله.

وعيد شديد لمن يستغل نفوذه ويستبيح لنفسه أن يأخذ ما لا يحل له أخذه، فهذا خيانة في الأمانة، وسحت لا يبارك الله له فيه ولا في نفسه ولا في أولاده ولا عائلته ولا إنفاقه ولا مأكله ولا مشربه، فكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به، ويقول نبينا وحبيبنا المصطفي صلى الله عليه وسلم ” من استأمناه منكم على عمل، فرزقناه عليه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ” رواه أبي داود، والله تعالي يقول ” وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأتي بما غل به يوم القيامة ” والنبي صلى الله عليه وسلم لم يصلي على صاحب الغلول مع أنه ما غل إلا شيئا يسيرا لا يكاد يذكر، كما في حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه يحدث أن رجلا من المسلمين توفي بخيبر وأنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” صلوا على صاحبكم ” قال فتغيرت وجوه القوم لذلك، فلما رأى الذي بهم.

قال ” إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوي درهمين ” رواه أحمد، وأعظم الغلول غلول الجار أو الشريك لما فيه من خيانته وقد أمنه، وروى الإمام أحمد من حديث أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعا فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة ” وفي رواية ” أعظم الغلول عند الله يوم القيامة ذراع من أرض يكون بين الرجلين أو بين الشريكين للدار فيقتسمان فيسرق أحدهما من صاحبه ذراعا من أرض فيطوقه من سبع أرضين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock