السلطان المنصور قلاوون.. هزم المغول وقهر الصليبيين وحكمت أسرته مصر والشام 100 عام
جريدة الصوت
هناء الصغير
تعد فترة حكم السلطان منصور قلاوون من أزهى فترات العصر المملوكي الأول (عصر المماليك البحرية)، ومن يتأمل مسيرة هذا السلطان يجدها حافة بالأحداث الجسام، فمن عبد مملوك كان يطاف به في أسواق الرقيق لسلطان عظيم يقهر التتار والصليبيين، ويثبت الحكم لبنيه لنحو 100 عام.
ولد المنصور قلاوون عام 1222م في بلاد القفجاق، التي تتوزع اليوم بين كازخستان وروسيا، ونتيجة غزو المغول لبلاده أصبح من العبيد عندما كان عمره 15 عاما، ودخل في سلك العسكرية حينما اشتراه الأمين علاء الدين أحد رجال السلطان الأيوبي محمد الكامل، وتفوق في التدريبات العسكرية والعلوم الدينية واللغة العربية، وكان هذا نظام تعليمي مُطبق على المماليك، ثم اشتراه السلطان الأيوبي الصالح أيوب بألف دينار، فأصبح قلاوون ينادى بـ”الألفي” نسبة إلى ذلك، وكذلك أصبح ينادى بـ”الصالحي”؛ لأنه كان من ضمن الجيش المملوكي الذي شكله السلطان الصالح أيوب الأيوبي.
ظهرت بطولته وإقدامه في معركة المنصورة عام 1250م، عندما إنتصر الأيوبيين على الحملة الفرنجية السابعة التي توجهت لمصر، وأصبح قلاوون الساعد الأيمن والصديق الأقرب للظاهر بيبرس وتنقل معه في كافة مراحله، وبقي رفيقه حتى في هزائمه وانكساراته، فكان مع بيبرس حينما حدث النزاع بين المماليك الصالحية والمماليك المعزية، وهرب مع بيبرس إلى بلاد الشام بعدما انتصرت المُعزية على الصالحية والتي كان منها بيبرس وقلاوون، وكان أحد قادته في الانتصار بمعركة عين جالوت 1260م، وعلا شأنه عندما أصبح الظاهر بيبرس سلطانًا على مصر والشام عام 1260م، ليصبح قلاوون أهم قادته والأقرب له.
ازداد نفوذ قلاوون في زمن حكم الظاهر بيبرس، ووصل قلاوون لمنصب الأتابك (قائد الجيش)، فشعر بيبرس بأن قلاوون يشكل تهديدًا على استمرار الحكم في نسله، فسعى للتقرب منه عائليًا، فزوج ابنه الأمير السعيد بركة خان من ابنة قلاوون، ولكن هذا لم ينجح، فعندما توفي السلطان بيبرس عام 1277م وتولى الحكم ابنه السلطان بركة، تحكم قلاوون بالحكم بشكل فعلي، وسعى لتملك كافة مقاليد الدولة، وقام بخلع بركة خان عام 1279م وعين أخيه العادل بدر الدين سلامش بن بيبرس مكانه، وبعد أن تيقن قلاوون بأنه سيطر على الدولة سيطرة كاملة، قام بخلع سلامش عام 1279م، وطلب من الخليفة العباسي في القاهرة تنصيبه سلطانًا بحجة أن هذا المنصب يحتاج رجلاً كاملاً، فأصبح في عام 1279م السلطان سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي.
تمرد ضده سنقر الأشقر في الشام، ولكنهما توحدا عندما عاد هجوم المغول، ودخل المغول حماة وخربوها، ثم وصلوا إلى حمص حيث التقى الجيشان عام 1281م، وبعد هزيمة الجيش المملوكي في البداية، ثبت السلطان ومن معه ثباتاً عظيماً، ما حمل الأمراء والقادة على الانقضاض على المغول وكسروهم كسرة عظيمة.
من أعماله العمرانية قيامه ببناء مجموعة السلطان قلاوون في القاهرة عام 1279م، وهي عبارة عن مسجد ومدرسة وقبة وبيمارستان، كما قام ببناء الرباط المنصوري قرب المسجد الأقصى في القدس الشريف عام 1282م.
نجح بجهوده الدبلوماسية في إيقاع الفتنة بين الفرنج، حيث اعترف بمدينة صور وبيروت بأنهم دول منفصلة عن عكا، وهذا ساعده وساعد من تولى الحكم من بعده في إنهاء وجود الفرنجة، وكذلك تحالف مع الدولة البيزنطية ضد الإمارات الإيطالية مما أدى لقطع الإمدادات عن الفرنجة في الشام
في أثناء تجهيز قلاوون للجيش لبداية حملة
جديدة هدفها تحرير عكا من احتلال الفرنجة، اعتلت صحته، ثم توفي سريعًا في قلعة الجبل في القاهرة في تاريخ 5 ذو القعدة 689 هجري الموافق 1290/11/09م، وكان عمره 68 عامًا، ودُفن فيما يُعرف بمجموعة السلطان المنصور قلاوون في منطقة بين القصرين في القاهرة.
يعتبر المنصور قلاوون حالة فريدة في التاريخ المملوكي، حيث عُرف عن التاريخ المملوكي عدم دوام الحكم لأسرة معينة، بل إن الحكم ينتقل عندهم إلى الأقوى، ولكن السلطان قلاوون مثل استثناءً، حيث استمر حكم أسرة قلاوون للدولة المملوكية لأكثر من 100 عام، وقد حكم من أسرته 15 سلطاناً.