دين ومجتمع

السماحة في المعاملة تستجلب محبة القلوب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله على عباده جاد، بدأهم بالفضل وله عليهم أعاد، آلائه عليهم سابغة ما خفيّ منها أعظم مما هو باد في فضله يتقلبون فهو عليهم ما بين طريف وتلاد وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ما مرّ تال بذكر قوم هود عاد ثم أما بعد اعلموا يرحمكم الله أن إظهار التوقير والإحترام للناس، وإنزال الناس منازلهم كذلك مما يجمع المحبة في القلب لهذا الذي أعطي الفخر الذي في نفسه، وقد إستعمل النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم هذا مع سادات الجاهلية كالأقرع بن حابس وأبي سفيان بن حرب، وعيينة بن حصن، وثمامة بن أثال، وهكذا فأسلموا ودخلوا في الدين، ويدخل عليه هذا فيكرمه ويبسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي عنده، وهذا يقول صلي الله عليه وسلم ” من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ” وإنزال الناس منازلهم.

 

وإشباع ما في نفوسهم من أمور لا تتعارض مع الشرع، بل هي من المداراة، وإن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، ورحمة الصغير، ومراعاة الطبائع، مراعاة الطبائع تستجلب المحبة، وقد قسم الله تعالي الأخلاق كما قسم الأرزاق، فمن الناس من هو هيّن ليّن يترقرق البشر من وجهه، ومنه من هو فضّ صعب المراس كأنما قدّ وقطع من صخر، ومنهم من هو مبتغي بين ذلك سبيلا، وقد قال النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم ” إن الله تعالي خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم علي قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود” وهذه ألوان الطين والتراب في العالم، جاء منها البشر، لكن أليس من الأرض صخرية ورملية وطينية تمسك ولا تمسك، وتخضر وقاحلة، مجذبة وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب.

 

ويعني كذلك نفوس الناس الذين خلقوا من هذه القبضة التي هي من جميع الأرض جاءت نفوسهم بحسب طبائع هذه التربة التي خلقوا منها، وبهذه يعلم أن معاملة الناس على حسب طبائعهم سنّة نبوية تستجلب القلوب، وقد عامل النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم أصنافا من البشر فكانت في نفوسهم صعوبات، وكانت فيها مشاكسات، وفي بعضهم شدة وغلظة، ولقد علمنا النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم مداراة الناس، وهذه التي تجعل العدو وليا حميما، وهذه المداراة لهؤلاء العتاة، من الذي يريد هدايتهم مهمة لجلبهم إلى طريق الحق، ولم يتنازل النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم عن شيء من الدين، لم يقل عن باطل أنه حق، أو عن حق أنه باطل، لم يغير الأحكام الشرعية من أجل هذا الرجل ولا من أجل غيره، المداراة شيء والمداهنة شيء آخر، المداراة لين الكلام.

 

بشاشة الوجه هدية، لأجل إستمالة هؤلاء الأعداء، وهؤلاء العصاة، أما المداهنة فهي الثناء عليه بالباطل، وقول الباطل بين يديه ونحو ذلك، وأن الناس يحبون المتواضع وصاحب لين الجانب، فاللين هو الذي جمعهم عليه إذن، وهذا التواضع أيضا، وعندما تستقبل أخاك فتوسع له في المجلس، المزدحم لا يجد مكان يجلس فيه، وتدعوه بأحب الأسماء إليه، فإنه لا ينسى لك هذا المعروف، وقال ابن عباس رضي الله عنهما ” ثلاثة لا أكافئهم ولا أستطيع أن أقابلهم في معروفهم، رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إليّ يريد السلام عليّ ” وهكذا يتودد الإنسان إلى هؤلاء الإخوان بما يستجلب قلوبهم وإجتماع قلوب المؤمنين من مقاصد الشريعة لأن الشريعة تريد أن يكون المجتمع الإسلامي متآلفا مجتمعا، وأن يكون يدا واحدة.

 

ولذلك فإن إستعمال هذه الأسباب الشرعية عظيم جدا، ومنه السماحة في المعاملة، ويعني طالب بحقه وطالب بدينه، وهكذا التنازل عن الحقوق، وهكذا أيضا العفو والصفح، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، فإذا قطعوك صلهم، وإذا أساءوا إليك فأحسن إليهم، وإذا ظلموك فاعفو عنهم، وإذا اشتدوا عليك فعاملهم باللين، وإذا هجروك فإقترب منهم، فطيب الكلام مع بذل السلام، مع الدعوة للطعام، تأتي بالنتائج العظام، وما زاد الله تعالي عبدا بعفو إلا عزا، وكان بين حسن بن الحسن، وبين ابن عمه علي بن الحسين شيء من الخصومة، فما ترك حسن شيئا إلا قاله يعني من السب والشتم، وعلي ساكت، فذهب حسن، فلما كان في الليل، أتاه علي بن الحسين فقال له يا ابن عمي إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا، فغفر الله لك، والسلام عليك، فالتزمه حسن، وبكى حتى رثي له.

 

وقال معاوية يا بني أمية فارقوا قريشا بالحلم، فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما، وأوسعه حلما، فأرجع وهو لي صديق، إن إستنجدته أنجدني، وأثور به فيثور معي، وما وضع الحلم عن شريف شرفه ولا زاده إلا كرما.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock