
طارق غريب يكتب : السودان
السياق السياسي للأزمة : من الإطاحة إلى التقسيم المؤسسي
سياسياً ، يُعد النزاع امتداداً للتوترات التي نشأت بعد الأحداث السودانية في 2019 ، التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير ، لكنها فشلت في إنجاز انتقال ديمقراطي كامل بسبب الصراع بين المدنيين والعسكريين. في أبريل 2023 ، تحول الخلاف بين قائد الـSAF وقائد الـRSF إلى مواجهات مسلحة، مما أدى إلى انهيار النظام السياسي المركزي. بحلول 2025 ، من أقام الـRSF حكومة موازية في نيالا (دارفور) في مارس، تُدعى “حكومة السلام والوحدة”، مع دستور يؤكد على العلمانية واللامركزية، بهدف كسب شرعية دولية. في المقابل ، أعلنت الـSAF “حكومة الأمل” في بورتسودان ، مدعومة ببرلمان انتقالي ، لكنها تواجه اتهامات بتعزيز التحالفات مع جماعات إسلامية سابقة ، مما يعيق أي إصلاح ديمقراطي.
هذا التقسيم يعكس فشلاً في بناء مؤسسات شاملة ، حيث أدى النزاع إلى انتشار الاقتصاد الموازي (مثل تجارة الذهب غير الشرعية) وانتشار الجرائم المنظمة ، بالإضافة إلى جرائم حرب موثقة مثل التنقية العرقية في دارفور ، التي أكدتها تقارير الأمم المتحدة في يوليو 2025 كجرائم ضد الإنسانية. النتيجة هي دولة مفككة ، حيث يسيطر كل جانب على موارد إقليميةز، مما يحول الصراع إلى سباق للسيطرة على الموارد الاستراتيجية مثل مياه النيل والسواحل البحرية.
التداعيات الداخلية : انهيار الدولة وأزمة إنسانية
داخلياً ، أدى النزاع إلى انهيار الخدمات الأساسية ، مع توقف 70% من المرافق الصحية وانتشار أمراض مثل الكوليرا ، إلى جانب مجاعة تُصيب 25 مليون شخص (حوالي نصف السكان). أكثر من 17 مليون طفل خارج المدارس ، وشهدت المناطق الخاضعة للـRSF ارتفاعاً في العنف الجنسي والتهجير القسري ، مما يعمق التوترات العرقية بين المجموعات غير العربية والعربية. سياسياً ، أدى ذلك إلى ظهور تحالفات جديدة، مثل تحالف الـRSF مع حركة تحرير السودان الشمالية (SPLM-N) في فبراير 2025 ، مما يهدد بتوسيع الجبهات إلى كردفان والجنوب. هذه التداعيات تحول السودان إلى نموذج لفشل الدولة ، حيث يصبح النزاع مصدراً للجريمة المنظمة والانهيار الاقتصادي ، مع تضخم يتجاوز 300%.
التداعيات الإقليمية : تهديد للاستقرار في القرن الأفريقي
إقليمياً ، يُشكل النزاع خطر انتشار الاضطرابات ، حيث يُقدر عدد اللاجئين في الدول المجاورة بأكثر من 4 ملايين ، مما يضغط على موارد تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا. في جنوب السودان ، أدى النزوح إلى تصعيد التوترات العرقية ، مع عودة 300,000 جنوب سوداني من السودان في 2025 ، مما يعيق تنفيذ اتفاق السلام المحلي. كما يهدد النزاع اتفاقيات مياه النيل ، حيث يسيطر الـSAF على خزان مروي ، لكن أي تفكك قد يعيق تدفق المياه بنسبة تصل إلى 20% لدول الشرق الأوسط. في القرن الأفريقي، يزيد النزاع من مخاطر الإرهاب عبر الحدود ، خاصة في ليبيا وإريتريا ، ويُفاقم التوترات الحدودية مثل نزاع الفشقة مع إثيوبيا. هذه التداعيات تحول المنطقة إلى ساحة للتوترات الجيوسياسية ، مع خطر اندماج النزاعات المحلية في حرب إقليمية.
التداعيات الدولية : اختبار للنظام الدولي
دولياً ، يُعد النزاع اختباراً لفعالية المجتمع الدولي ، حيث أدى إلى إدانات من مجلس الأمن الدولي ، بما في ذلك تقرير يوليو 2025 الذي وثق جرائم الإبادة الجماعية. أصبح السودان مصدراً للأزمة الإنسانية الأكبر عالمياً ، مع حاجة إلى 2.5 مليار دولار للإغاثة في 2025 ، لكن الوصول إلى المناطق المحاصرة محدود. سياسياً ، يعيق النزاع الجهود الديمقراطية في أفريقيا، ويُبرز فشل الوساطة الدولية ، مما يُشجع على انتشار النزاعات بالوكالة.
دور الدول والمنظمات في التدخل السياسي والتفاوضي لإنهاء النزاع
رغم التحديات ، سعت عدة دول ومنظمات إلى التدخل السياسي والتفاوضي لإنهاء النزاع ، من خلال آليات متعددة الأطراف تركز على وقف إطلاق النار والانتقال المدني. يُعد “الرباعي” (الولايات المتحدة ، مصرو، السعودية ، والإمارات) أبرز هذه الجهود ، حيث أصدر في سبتمبر 2025 بياناً مشتركاً يدعو إلى هدنة إنسانية لثلاثة أشهر ، تليها وقف إطلاق نار دائم وانتقال انتقالي لتسعة أشهر يؤدي إلى حكم مدني. في أكتوبر 2025 ، اجتمع الرباعي في واشنطن لمناقشة تنفيذ خارطة طريق ، وشكل لجنة مشتركة لتعزيز الوصول الإنساني، رغم رفض الـSAF للاقتراح في نوفمبر. قبل ذلك ، رعت الولايات المتحدة والسعودية إعلان جدة في مايو 2023 لحماية المدنيين ، ودعمت مؤتمرات إنسانية في باريس (أبريل 2024) ولندن (أبريل 2025)، حيث جمعت 270 مليون يورو للإغاثة.
كما لعبت الاتحاد الأفريقي (AU) دوراً رئيسياً ، من خلال لجنة رئاسية خاصة بقيادة موريتانيا في يناير 2025 ، التي عقدت اجتماعات استشارية مع الأمم المتحدة ، الاتحاد الأوروبي ، إغاد (IGAD) ، وجامعة الدول العربية لتنسيق الجهود. في فبراير 2025 ، أصدر الـAU خارطة طريق للسلام ، تؤكد على وقف القتال وإشراك المدنيين ، ودعا إلى تشكيل مجموعة اتصال دولية لتعزيز الضغط الدبلوماسي. أما الأمم المتحدة ، فقد عينت’ رمطان لعلامرة ‘ مبعوثاً شخصياً في نوفمبر 2023 ، الذي يدير حوارات مع الأطراف لتعزيز الوصول الإنساني، ودعم تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في دارفور.
ساهمت الاتحاد الأوروبي أيضاً ، من خلال مؤتمرات مشتركة في لندن وباريس ، وتخصيص 270 مليون يورو في 2025 للإغاثة ، بالإضافة إلى مبادرة أوروبية لحماية البنية التحتية الحرجة. في أكتوبر 2025 ، أقر مجلس الاتحاد استنتاجات تُدين النزاع وتدعو إلى حظر أسلحة ومحاسبة ، مع التركيز على وحدة السودان. هذه الجهود ، رغم تحدياتها ، أدت إلى هدن إنسانية مؤقتة ، مثل تلك في نوفمبر 2025 التي قبلها الـRSF ، وتعزز الضغط على الأطراف للانتقال إلى حكم مدني.
نحو حل سياسي مستدام
تُبرز أزمة السودان فشل النظام السياسي الداخلي في مواجهة التحديات ، مع تداعيات إقليمية ودولية تهدد الاستقرار العالمي. ومع ذلك ، توفر الجهود الدبلوماسية للرباعي ، الاتحاد الأفريقي ، الأمم المتحدة ، والاتحاد الأوروبي فرصة للتقدم ، إذا تم تعزيز التنسيق وإشراك المدنيين السودانيين. يتطلب الحل إرادة سياسية لوقف القتال وإعادة بناء مؤسسات شاملة، لتحويل الأزمة إلى فرصة لديمقراطية مستدامة في القرن الأفريقي.
طارق غريب
مصر



