
ما يجرى فى الصومال اليوم وما يطرح من مسارات تسعى إلى تكريس انفصال إقليم صوماليلاند لا يمكن التعامل معه باعتباره شأنا داخليا أو أزمة محلية معزولة بل يمثل حلقة ضمن عملية أوسع لإعادة ترتيب التوازنات الجيوسياسية فى منطقة القرن الإفريقى تشارك فيها أطراف إقليمية مؤثرة وتهدف من خلالها إلى إعادة توزيع النفوذ في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية وتأثيرا
جوهر هذه التحركات يتجاوز حدود الصومال ليصل فى المقام الأول إلى معادلات السيطرة على مدخل البحر الأحمر بوصفه شريانا حيويا لأمن الملاحة الدولية وأحد الأعمدة الرئيسية لمنظومة التجارة والطاقة العالمية وهو ما يمنحه بعدا استراتيجيا يتخطى الجغرافيا الصومالية ذاتها
هذا المسار ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على الدور الاستراتيجى لقناة السويس من خلال محاولات تقليص مكانتها كممر محوري للتجارة العالمية بما يحمله ذلك من تداعيات سياسية وعسكرية واقتصادية لا تمس الدولة المصرية وحدها بل تمتد آثارها إلى مجمل منظومة الأمن القومى العربى
وفى السياق ذاته تتقاطع هذه التحركات مع جهود متسارعة لتعزيز ممرات بديلة للنقل والتجارة تقوم على الدمج بين المسارات البحرية والبرية وتمتد من جنوب آسيا مرورا بعدد من دول الإقليم وصولا إلى شرق المتوسط فى مسعى لإعادة رسم خريطة تدفقات التجارة الدولية على حساب الممرات التاريخية المستقرة
ولا يمكن استبعاد أن تدار بعض هذه الترتيبات عبر أدوات غير معلنة أو أنماط نفوذ غير تقليدية تتجاوز حدود الصومال لتطال ساحات أخرى فى الإقليم بما فى ذلك دول محورية تتأثر بهذه التحولات بشكل مباشر
الصومال باعتباره دولة عربية ذات موقع جغرافى بالغ الحساسية يواجه منذ سنوات تحديات بنيوية معقدة على المستويين السياسى والعسكرى وهو ما يجعله ساحة مفتوحة لمحاولات التوظيف الخارجي وتعميق الانقسام الداخلى
ومن هنا فإن دعم وحدة الصومال لا يعد موقفا تضامنيا فقط بل يمثل ضرورة استراتيجية تفرض تحركا عربيا منسقا وواعيا ومسؤولا للحيلولة دون ترسيخ أى مسار تقسيمى ولحماية الأمن القومى العربى فى أحد أكثر مفاصله خطورة وتأثيرا



