في كل مرة تُطرح فيها كلمة “الإصلاح” يبتسم المسؤول ابتسامة باهتة ويُلقي خطابًا محفوظًا بينما الواقع يصرخ أن كل ما يحدث ليس سوى إعادة تدوير للفشل نحن نعيش زمنًا صار فيه الفساد جزءًا من الحياة اليومية يتسلل من أبواب المؤسسات يجلس على مكاتب الإدارات ويطل برأسه من وراء الكواليس في كل مشروع ومبادرة وشعار.
لقد تعب الناس من سماع الكلمات المنمقة: “التطوير” “الشفافية” “الرقمنة” “الخطة الوطنية“… لكن على الأرض المواطن ما زال يركض خلف حقه البسيط فلا يجده يقف في طابورٍ لا ينتهي يدفع رسومًا لا يعرف إلى أين تذهب يواجه موظفًا لا يرى فيه إلا فرصة جديدة لابتزاز أو تسويف.
أيها السادة إن أعظم جريمة تُرتكب اليوم ليست الفساد ذاته بل تطبيع الفساد صار الأمر عاديًا أن يقال: “كل الناس بتعمل كده” صار الفاسد يُكافأ بترقية والنزيه يُحاصر حتى يرحل صار المواطن الذي يطالب بحقه غريبًا وسط مجتمع أُجبر على الصمت والخنوع.
كيف تتحدثون عن العدالة وأنتم أول من يخرقها؟
كيف تتغنون بالتنمية وأنتم تسحقون كل كفاءة وتحاصرون كل عقل حر؟
كيف ترفعون شعار محاربة الفساد وأنتم أول من يحميه تحت الطاولة؟
لقد فقدت الكلمات معناها وصارت الشعارات مجرد ستار يغطي عفنًا لا يمكن إنكاره. وحين تُسأل القيادات عن التقصير يلقون باللوم على الظروف على الناس على القدر وكأنهم أبرياء من كل ما يحدث.
الحقيقة أن المؤسسات تنهار لا لأننا دولة فقيرة بل لأن الثروة تُهدر على يد عديمي الضمير لأن الكرسي عند البعض أغلى من مستقبل الوطن ولأن الحساب غائب ولأن الخوف يحكم الناس أكثر مما يحكمهم القانون.
التاريخ لا يرحم والتجارب حولنا شاهدة: كل دولة تركت الفساد يتجذر انتهت إلى الفوضى والانهيار والذين يظنون أن الشعوب تُخدع إلى الأبد واهمون فالشعوب قد تصبر لكنها لا تنسى وقد تسكت لكنها لا تستسلم إلى ما لا نهاية.
إن السكوت اليوم مشاركة في الجريمة وإن التستر خيانة والوطن لن ينهض إلا حين يصبح الحساب قاعدة لإ استثناء وحين يكون القانون سيدًا على الجميع بلا حصانة ولا استثناءات.
العبث بلغ مداه وحان وقت المكاشفة.
إما أن نصحو قبل أن يغرق المركب أو نُدفن جميعًا تحت أنقاض وطنٍ أكلته أيادي الفساد.