بقلم: طارق فتحي السعدني
تواجه المجتمعات اليوم تحديات معقدة، لكنها غالبا ما تعود إلى أسباب قديمة قدم التاريخ،
أبرزها العصبية القبلية التي كانت، ولا تزال، عاملا رئيسيا في تأجيج النزاعات وتعطيل التنمية،
إلى جانب ظاهرة التفاهة المجتمعية التي تتصدر مشهدا ثقافيا هابطا يضعف ركائز المجتمع.
العصبية القبلية: إرث الماضي ومستقبل معرقل
في المجتمع العربي قبل الإسلام، كانت العصبية القبلية رمزا للولاء العشائري،
لكنها تحولت إلى أداة لإشعال الحروب وترسيخ الأحقاد بين القبائل. الإسلام بذل جهدًا كبيرًا للقضاء على هذه النزعة،
داعيا إلى الوحدة والعدالة، إلا أن هذه الظاهرة ما زالت تطل برأسها في بعض المجتمعات، مسببة انقسامات حادة تحول دون تحقيق العدالة والتنمية المنشودة.
التفاهة المجتمعية: حين يقدّم الهزل على الجِد
كما قال الكاتب الروسي أنطون تشيخوف: “في المجتمعات الفاشلة، تتصدر الموضوعات التافهة، و يقصى العقلاء.”
هذا الوصف ينطبق على مجتمعات تعطي الأولوية للتفاهة، حيث يتحول التافهون إلى رموز اجتماعية، و يهمّش العلماء والمفكرون.
وسائل الإعلام تبرز المحتويات السطحية وتقصي القضايا الجادة، مما يؤدي إلى غياب الوعي وإضعاف البنية الثقافية للمجتمع.
الأضرار المجتمعية: الطريق إلى التراجع
1. تعطيل التنمية: العصبية القبلية تضعف العمل الجماعي، و تكرس الانقسامات،
مما يؤدي إلى شلل المؤسسات وتباطؤ عجلة التقدم.
2. انحدار القيم: عندما تسود التفاهة، تتراجع القيم الثقافية والاجتماعية لصالح مظاهر جوفاء لا تحمل أي مضمون.
3. استبعاد الكفاءات: هيمنة الجهلاء و التافهين تقتل روح الابتكار،
وتقصي العقول المبدعة التي بإمكانها النهوض بالمجتمع.
4. تفكك الهوية: العصبية القبلية و التفاهة المجتمعية تضعف الانتماء الوطني،
لتحل الانتماءات الضيقة والمصالح الشخصية محل الهوية الجامعة.
نحو مجتمع واعٍ ومتماسك
إن مواجهة هذه الظواهر تبدأ من التعليم وتعميم ثقافة الوعي النقدي،
مع التركيز على بناء قيم الوحدة والمساواة. يجب أن تتحمل وسائل الإعلام مسؤوليتها في نشر المحتوى الهادف الذي يعزز الوعي، بدلا من ترسيخ ثقافة التفاهة.
المجتمع الواعي هو ذلك الذي يحتفي بالمبدعين والمفكرين، و يقصي على التافهين والمفسدين من المشهد.
فكلما نجحنا في مواجهة هذه الآفات، اقتربنا خطوة نحو مستقبل أفضل وأكثر إشراقا.
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم.”
.