مقالات وآراء

العنف ضد الأطفال جروح لا تُرى وأرواح تؤذى

بقلم -إيمان علي

في الأيام الأخيرة، هزت مصر جريمتان بشعتان تكشفان الوجه القبيح للعنف ضد الأطفال. الأولى في قرية بلبيس بالشرقية، حيث اغتصب رجل طفلة تبلغ 14 عاماً، ثم انهال عليها بالضرب بطريقة وحشية وحاول اقتلاع عينيها حتى لا تتمكن من التعرف عليه. والثانية استغاثة شاب في الثانوية العامة بالإسكندرية، بعد أن تخلى عنه والداه وتزوج كل منهما بشريك جديد، لجأ إلى دار أيتام ليجد رعاية ويستمر في دراسته، لكنه طُرد عند بلوغه 18 عاماً، تاركاً إياه مشرداً بلا مأوى.
هاتان الواقعتان ليستا مجرد حوادث فردية، بل هما جزء من ظاهرة أوسع وأعمق: العنف ضد الأطفال في مصر، الذي يتخذ أشكالاً متعددة داخل البيوت وخارجها. فالطفل لا يتعرض فقط للضرب أو الإهمال، بل للاغتصاب والتحرش الجنسي، والترهيب النفسي، والتخلي الأسري الذي يدفعه إلى التشرد أو الانتحار أحياناً. تقارير المجلس القومي للطفولة والأمومة تشير إلى تسجيل أكثر من 21 ألف بلاغ عن انتهاكات ضد الأطفال في الأشهر الـ11 الأولى من 2025 وحدها، معظمها عنف جسدي وتحرش جنسي وإهمال أسري، وهو ارتفاع بنسبة 20% عن العام السابق.
العنف ضد الأطفال ليس جديداً، لكنه يتفاقم مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. داخل البيوت، يتحول “التأديب” أحياناً إلى تعذيب، حيث يُضرب الطفل أو يُحرم من الطعام أو يُهمل نفسياً بسبب خلافات الوالدين أو زواجهما الجديد. وخارج البيوت، في الشوارع أو المدارس أو حتى دور الرعاية، يواجه الأطفال التحرش والاستغلال، كما في حوادث الاعتداء الجنسي المتكررة داخل بعض المؤسسات التعليمية التي هزت الرأي العام مؤخراً.
هذه الجرائم تترك جروحاً لا تشفى: آثار نفسية تستمر مدى الحياة، مثل الخوف المزمن أو الاكتئاب أو فقدان الثقة في الكبار. الطفل الذي يُترك أو يُعنَّف يفقد إحساسه بالأمان، ويصبح عرضة للانحراف أو التشرد. وفي حالات مثل طفلة بلبيس، يصبح الجسد نفسه ساحة للوحشية، حيث يحاول الجاني محو أي دليل على جريمته بأبشع الطرق.
لكن وسط هذا الظلام، هناك أمل في زيادة الوعي المجتمعي. البلاغات المتزايدة تعكس ثقة أكبر في خط نجدة الطفل (16000)، وتدخل أسرع من الجهات المعنية. المبادرات مثل “مناهضة العنف ضد الأطفال” التي أطلقها المجلس القومي، والحملات التوعوية في المدارس، خطوات إيجابية. لكننا نحتاج المزيد: قوانين أشد صرامة، دعم نفسي حقيقي للأسر المهددة بالتفكك، وتفعيل دور الرعاية بحيث لا تطرد الشباب عند البلوغ دون بدائل.
الأطفال هم أمانة في أعناقنا جميعاً. لو سكتنا عن عنفهم، سنفقد براءة مجتمع بأكمله. لازم نحميهم، داخل البيت وخارجه، عشان ينشأوا أصحاء نفسياً وجسدياً. ده مش بس واجب قانوني، ده ضمير إنساني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock