مقالات وآراء

العنف في المدارس تحدٍ مجتمعي

بقلم الدكتورة :سماح عبد الغني

تشهد المدارس المصرية في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في ظاهرة العنف، سواء بين الطلاب أو تجاه المعلمين، وهو ما أصبح أحد أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات التعليمية في مصر. هذه الظاهرة ليست مجرد مشكلة مدرسية، بل هي مؤشر على واقع اجتماعي يحتاج إلى معالجة شاملة، إذ يعد سلوك الطلاب انعكاسًا لما يعيشه المجتمع بأسره.
التعامل مع العنف المدرسي مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام، إضافة إلى دور الوزارات والهيئات المختلفة. حيث تأتي الأسرة في صدارة هذه المسؤولية، إذ يقع عليها الدور الأهم في إعداد الأبناء ليصبحوا نشئًا سويًا، قادرين على التفاعل الإيجابي داخل المجتمع. فالآباء والأمهات مطالبون بمتابعة أبنائهم، ومعرفة دائرة أصدقائهم، وقضاء وقت كافٍ معهم لمعرفة مشاكلهم ومحاولة حلها بالحوار بدلًا من العنف أو العقاب الصارم. ويجب إدراك أن واقع الأطفال اليوم يختلف جذريًا عن جيل الآباء، إذ أصبح لديهم مصادر معرفية متعددة تمتد إلى العالم بمختلف ثقافاته.
إلى جانب الأسرة، تلعب المدارس دورًا محوريًا في غرس القيم الإيجابية، وتنظيم وقت الطلاب، وتوفير بيئة تعليمية آمنة. من هذا المنطلق، ينبغي للمدارس العودة إلى انتظام اليوم الدراسي، وتعزيز الأنشطة اللاصفية، خصوصًا الرياضية والفنية، إذ ثبت أن الطلاب المشاركين في مثل هذه الأنشطة أقل عرضة للانخراط في العنف. كذلك يمكن تنظيم رحلات مدرسية لتعزيز الروابط الاجتماعية بين الطلاب، ما يسهم في تطوير مهارات التعامل مع الآخرين.
التكنولوجيا أيضًا يمكن أن تكون أداة فعّالة للحد من العنف داخل المدارس، من خلال تركيب كاميرات مراقبة في الممرات والساحات، وإنشاء منصات إلكترونية للإبلاغ السري عن أي سلوك عدواني، مع الالتزام بإرسال تقارير دورية لأولياء الأمور عن سلوكيات أبنائهم. كما يعتبر دعم الإرشاد النفسي جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الوقائية، وذلك عبر توفير أخصائيين نفسيين واجتماعيين لاستقبال شكاوى الطلاب، وتقديم جلسات فردية وجماعية للدعم النفسي.
على صعيد آخر، يشكل الإعلام شريكًا فاعلًا في مكافحة العنف، إذ يجب ألا يقتصر دوره على نقل الأخبار، بل يمتد ليصبح أداة تربوية وثقافية. من خلال إنتاج برامج ومسلسلات قصيرة توضح السلوكيات الإيجابية، يمكن تعزيز قيم التسامح والتعاون، ونبذ التنمر والعنف، وهو ما يترك أثرًا كبيرًا على الطلاب والمجتمع ككل.
القيم الدينية المعتدلة تلعب أيضًا دورًا مهمًا في توجيه السلوك، إذ تساعد على غرس التسامح، وقبول الآخر، والثقافة الحوارية بين الطلاب. كما يجب توعية الأسر بعدم ترك أبنائهم لساعات طويلة أمام الهواتف المحمولة، مما قد يجعلهم فريسة للأفكار العنيفة أو السلوكيات الضارة، بل ينبغي إشراكهم في أنشطة الأسرة لتعزيز شعور الانتماء وتحمل المسؤولية.
في النهاية، العنف في المدارس ليس مسؤولية جهة واحدة، بل هو تحدٍ مجتمعي يتطلب تكاتف الجميع: الأسرة، المدرسة، الإعلام، مؤسسات المجتمع المدني، والهيئات الحكومية. حماية أبنائنا من العنف وصقل شخصياتهم يعد استثمارًا مباشرًا في مستقبل مصر، فالأطفال هم مشروع الوطن بأكمله. على المجتمع أن يتحمل مسؤولياته، ويعمل جميعه على ترسيخ قيم الحوار، والتسامح، والانضباط، لنضمن بيئة تعليمية آمنة تُخرج جيلًا قادرًا على البناء والإبداع بدلًا من العنف والتدمير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock