دين ومجتمع

الفتور في الصلة بين العبد وخالقه 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله المحمود على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل الضلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله جبله ربه على جميل الفعال وكريم الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل، ثم أما بعد إن من مظاهر الفتور الذي يصيب المسلم هو عدم الشكر في السراء، وعدم الصبر في الضراء، وإنما يأتي ذلك من ضعف الإيمان، والفتور في الصلة بين العبد وخالقه، فلو أن العبد استحضر أن كل نعمة تصل إليه إنما هي من الله وحده، لشكر الله عليها، فتزداد صلته بخالقه الذي منّ عليه بهذه النعم وغيرها ولو أنه حينما تحل به مصيبة، أو تقع به كارثة علم بأنها إبتلاء وإمتحان من الله، ليصبر عليها، لينال أجر الصابرين فيفوز مع الفائزين.

 

ولا يكون الشكر في امتحان النعمة، والصبر في إمتحان الشدة إلا من المؤمنين، فلننتبه أن تغرقنا الفرحة بالنعمة في بحر الكفر بمن منّ بها علينا، أو توقعنا المصيبة في فقدان الأمل في الفرج بمن عنده مفاتيح الفرج سبحانه وتعالى، والمظهر السادس وهو المجاهرة بالمعصية، وعدم مبالاة المرء بمعرفة الناس بوقوعه فيها، وهي من أعلى مراتب الفتور، حتى حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها، وما أشنع هذا الفعل الذي تتوغل النفس فيه في غمرة المعصية المقترنة بالجهل، فيزيد على وباء الذنب، ظلمة الانسلاخ من الحياء من الله ومن خلقه، وإن الحياء لشعبة من شعب الإيمان، فكيف إذا كان من الله تعالى، أما تشتاق نفس هذا المجاهر بالمعصية، إلى ستر الله تعالى يوم القيامة الذي جعله الله لمن أذنبوا ولم يجاهروا، وهذه جملة من الأعراض التي تظهر على المصاب بداء الفتور.

 

توخيت في إختيارها كثرة الوقوع وغالبية الحدوث، والشأن في أسباب الفتور كذلك أيضا، فإنها كثيرة وتختلف من بيئة إلى أخرى، ومن شخص لآخر، غير أنه يمكن تسليط الضوء على جملة منها، نتلمس فيها الواقعية والأهمية، فحاول أن تعيش معي معرفة هذه الأسباب، فإن معرفة سبب الداء، طريق إلى إتقان الدواء، وأما المقصود بأسباب الفتور هي تلك الطرق الموصلة إلى ضعف إيمان العبد بعد أن كان قويا، وهي الوسائل التي كسرت صلابة بنيان الدين في قلبه حتى أردته هزيلا واهنا، تتلاعب به الشهوات وتتقاذفه أمواجها، وتثقل عليه كل ما يتصل بدينه وعبادته، والسبب الأول هو عدم تعهد العبد إيمانه من حين لآخر، من حيث الزيادة أو النقص، فإن بدون مراجعة الإنسان نفسه مع حال إيمانه، تتكالب عليه أسباب الفتور من كل جانب، فتعمل معاولها الهدامة في بنيانه.

 

ولذا فإنه يجب على المؤمن إذا رأى في إيمانه قصورا، أو شعر بشيء من مظاهر الفتور، أن يتزود من أسباب الإيمان وينهل من معينه، ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه “من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينتقص ؟” وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول لأصحابه “هلموا نزدد إيمانا، فيذكرون الله عز وجل” وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه “اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها” وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول للرجل “اجلس بنا نؤمن ساعة” وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه “ثلاث من كنّ فيه فقد إستكمل الإيمان إنصاف من نفسه، والإنفاق من إقتار، وبذل السلام للعالم” بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأله ألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، فاستغفروا ربكم إنه هو الغفور الرحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock