القاهرة بين ذكريات الحرب وصناعة السلام
بقلم احمد شتيه باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى

تحتفل مصر هذا العام بذكرى انتصار السادس من أكتوبر المجيد وسط أجواء إقليمية ودولية شديدة التعقيد، لتؤكد من جديد أن روح النصر لا تزال حية في وجدان المصريين، وأن الجيش المصري — صاحب أعظم انتصار عسكري في تاريخ العرب الحديث — لا يزال حائط الصد الأول في وجه كل ما يهدد أمن واستقرار الوطن والمنطقة بأسرها.
وفي توقيت رمزي يعكس مكانة مصر ودورها التاريخي في صناعة السلام، تستضيف القاهرة اليوم في مدينة شرم الشيخ وفدين فلسطينيًا وإسرائيليًا لبحث البنود الرئيسية لاتفاق سلام جديد، يتزامن مع احتفالات مصر بذكرى نصر أكتوبر المجيد.
هذا اللقاء يأتي تأكيدًا على أن روح أكتوبر لا تزال تلهم مصر لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن الجيش الذي انتصر في الحرب قادر أيضًا على حماية السلام وصونه.
يختلف احتفال هذا العام عن الأعوام السابقة، فبينما يشتعل محيط مصر بالصراعات في الشرق الأوسط وتتصاعد التوترات على الساحة الدولية، تبرز القاهرة كقوة توازن واستقرار، قادرة على الجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية الهادئة التي تحمي مصالحها وتعمل على نزع فتيل الأزمات في أكثر من ملف، سواء في غزة أو السودان أو البحر الأحمر.
الجيش المصري اليوم ليس فقط جيش عبور، بل جيش تطوير وتحديث مستمر، يمتلك منظومات تسليح متقدمة، وقدرات تدريبية على أعلى مستوى، جعلت منه واحدًا من أقوى الجيوش في المنطقة، وفقًا لتقارير وتصنيفات عالمية و لم يعد دوره مقتصرًا على حماية الحدود فحسب، بل أصبح لاعبًا رئيسيًا في دعم الاستقرار الإقليمي وتأمين طرق التجارة والطاقة في منطقة شديدة الحساسية.
ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد والعالم، فإن الاحتفال هذا العام يحمل رسالة واضحة: أن مصر، التي عبرت الهزيمة إلى النصر في 1973، قادرة اليوم أيضًا على عبور الأزمات بفضل تماسك جيشها وشعبها وقيادتها.
وأرى أن ما وصل إليه الجيش المصري من تطور في التدريب والتسليح والجاهزية يعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تستند إلى عقيدة راسخة عنوانها “السلام القائم على القوة”. فمصر لا تسعى إلى الحرب، لكنها جاهزة دومًا لحماية أمنها القومي وردع كل من يفكر في المساس به. إن ذكرى السادس من أكتوبر لم تعد مجرد احتفال بانتصار عسكري، بل تجديد للعهد بأن تبقى مصر قوية، حرة، وقادرة على صون أمنها واستقرارها مهما كانت التحديات.