مقالات وآراء

الكذب أساس الفجور

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد اعلموا يا عباد الله أن الكذب يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكاذب يصور المعدوم موجودا والموجود معدوما، والحق باطلا والباطل حقا، والخير شرا والشر خيرا، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه، فيفسد عليه تصوره وعلمه، ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة، نزاعة إلى العدم، مؤثرة للباطل، وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال، وسرى حكم الكذب إليها، فصار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله.

 

ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار” وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده، ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله، فيعمّ الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك المادة من أصلها، ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق، وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب، والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته.

 

فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب، فالكذب يا عباد الله متضمن لفساد نظام العالم، ولا يمكن قيام العالم عليه، لا في معاشهم ولا في معادهم، بل هو متضمن لفساد المعاش والمعاد؟ ومفاسد ‌الكذب اللازمة له معلومة عند خاصة الناس وعامتهم، وكيف لا وهو منشأ كل شر وفساد، وشر الأعضاء لسان كذوب؟ وكم قد أزيلت بالكذب من دول وممالك، وخرّبت به من بلاد، واستلبت به من نعم، وتعطَّلت به من معايش، وفسدت به من مصالح، وغرست به من عداوات، وقلعت به من مودّات، وافتقر به غني، وذل به عزيز، وهتكت به مصونة، ورُميت به محصنة، وخلت به دور وقصور ، وعمّرت به قبور، وأزيل به أنس، وإستجلبت به وحشة، وأفسد به بين الابن وأبيه، وغاض بين الأخ وأخيه، وأحال الصديق عدوا مبينا.

 

ورد الغني العزيز ذليلا مسكينا، وكم فرّق بين الحبيب وحبيبه، فأفسد عليه عيشته ونغّص عليه حياته، وكم جلا عن الأوطان وكم سوّد من وجوه، وطمس من نور، وأعمى من بصيرة، وأفسد من عقل، وغيّر من فطرة، وجلب من معرّة، وقطعت به من السّبل، وعفت به من معالم الهداية، ودرست به من آثار النبوة، وخفيت به من طرق الرشاد، وتعطلت به من مصالح العباد في المعاش والمعاد، وهذا وأضعافه ذرة من مفاسده وجناح بعوضة من مضاره ومقابحه، وإلا فما يجلبه من غضب الرحمن، وحرمان الجنان، وحلول دار الهوان، أعظم من ذلك، وهل ملئت الجحيم إلا بأهل الكذب، الكاذبين على الله وعلى رسوله وعلى دينه وعلى أوليائه، المكذبين بالحق حمية وعصبية جاهلية؟ وهل عمرت الجنان إلا بأهل الصدق، الصادقين المصدقي

ن بالحق؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock