مقالات وآراء

الكرسي… مسؤولية لا تتحمّل إلا بالأمانة والعدل

كتب محمد الرفاعي

في زمن تتسابق فيه النفوس نحو المناصب ويغري البعض بالألقاب والوجاهة يغفل الكثيرون أن الكرسي ليس مجرد لقب أو ورقة رسمية تُعلق على الجدران بل هو أمانة ثقيلة ومسؤولية عظيمة تُحاسَب عليها النفوس قبل أن تُحاسَب أمام الناس.

فالمنصب العام ليس مكانًا للجلوس للظهور بل إختبار يومي للضمير وقياس حقيقي للعدل والنزاهة وهو ما أكدته الآيات:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ﴾

[الأحزاب: 72]

ولا يقتصر الأمانة على المحافظة على حقوق الناس فقط بل تشمل العدل والشفافية وإحترام القانون كما جاء في قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾

[النساء: 58]

ولم يترك النبي ﷺ أي مجال للتهاون في المسؤولية، فقد ورد عنه قوله:

“كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته…” [رواه البخاري ومسلم]

أي أن كل من يحمل منصبًا عامًّا كبيرًا كان أو صغيرًا مسؤول عن كل من تحت سلطته وكل قرار يتخذه وكل حق يُهدر بسببه ولم يقتصر تحذيره على المسؤولية بل وصل إلى تحريم الظلم:

“اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” [رواه مسلم]

للأسف كثير من القيادات اليوم تستغل المنصب لتحقيق مكاسب شخصية أو لتغطية الفساد أو للسيطرة على النفوذ متجاهلة أن التاريخ لا يحفظ أسماءهم بل أعمالهم.

هل تركوا أثرًا إيجابيًا؟

هل حافظوا على المال العام؟

هل خدموا الناس بصدق؟

الكرسي يكشف النفوس قبل أن يظهر المنصب فالذي يسعى إليه للوجاهة فقط سيجد نفسه عاجزًا أمام الإختبارات اليومية عاجزًا أمام الحقيقة عاجزًا أمام القانون الإلهي والإنساني بينما من جلس عليه بنزاهة ووعي سيجد أن التاريخ سيذكره بما قدمه لا بما امتلكه.

وقد حذّر النبي ﷺ أيضًا من محاباة الأقارب أو الإنحياز لمصالحه الشخصية:

“لا يَزول القَدر إلا بالعدل” [رواه الترمذي]،

وهو ما يذكّر كل مسؤول أن العدالة ليست رفاهية بل ركيزة أساسية لكل قيادة ناجحة.

وفي ظل تزايد البلاغات عن فساد إداري وتلاعب في المال العام وإهمال حقوق الناس يصبح الحديث عن المنصب الذي لا يستحقه البعض أمرًا عاجلًا ومؤلمًا فالكرسي ليس مكانًا للظهور بل لمن يضع مصلحة الناس فوق أي اعتبار ويتعامل مع الأمانة كحقيقة لا كوسيلة.

ويؤكد القرآن أن كل مسؤول سيحاسب:

﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾

[الصافات: 24]

وفي النهاية يبقى السؤال:

هل نبحث عن من يجلس على الكرسي ليظهر أم عن من يحمل الأمانة ويستحقها بحق؟

الكرسي الحقيقي لا يُشترى ولا يُزيف بل يُستحق بالضمير الصادق وبالعدل والعمل المستمر وخوف الله في كل قرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock