دين ومجتمع

المفاهيم الخاطئة للتربية الذاتية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله الذي بين لنا أفضل المسالك وأحسن الآداب ووفق من شاء من عباده لسلوكها وهو الحكيم الوهاب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وإليه المرجع والمآب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قام بالأخلاق الفاضلة، وأتمها، وحذر أمته من سفاسفها وأرذلها صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بآدابه وإنتهجوا مناهجه وسلم تسليما أما بعد ذكرت المصاد التربوية والتعليمية الكثير عن التربية الذاتية، وحديثنا عن التربية الذاتية وأهميتها لا يعني إطلاقا إستقلال الشاب، فمع تأكيدنا على التربية الذاتية وأهميتها فنحن نؤكد أيضا على الجماعية، لأن من وسائل التربية الذاتية هي الجماعية، وأن الإنسان الذي يعيش في وسط فردي بحت يعيش في نشاز فهو إنسان شاذ في سلوكه ونشاطه وأخلاقه ومن جلوسك معه تعلم بأنه إنسان لا يعيش.

 

ولا يخالط الآخرين، واعلموا يرحمكم الله أن من المفاهيم الخاطئة للتربية الذاتية هو التفريط في الأعمال الهامة بحجة تربية النفس، فبعض الناس يقول أريد أن أتفرغ لكي أربي نفسي وأتعلم وأستزيد من العلم، ثم بعد ذلك يمكنني أن أقوم بالدعوة إلى الله عز وجل، وإن الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم لا يسمح لنا بهذا التباطؤ والتأخر، وأهل الشر يبذلون جهودا جبارة في سبيل نشر باطلهم، وهب أننا قلنا للشباب جميعا يجب أن تتفرغوا للعلم وحفظ القرآن وللإبداع فيه ثم تنزلون إلى الميدان، فمن سيتولى تربية هؤلاء الشباب، ومن سيقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن سينفق على المحتاجين والضعفاء، ومن سيقوم بالجهاد في سبيل الله، وإن الشاب الذي تفرغ حينما يتخرج بعد ذلك سيحتاج إلى طريقة للتعامل مع وقته، وإلى تضحية لم يكن إعتاد عليها.

 

فيكون من الصعب عليه أن يعمل هذه الأعمال، لا يعرف كيف يتحدث مع الآخرين، لا يعرف المشكلات لم يعرف ولا كيف يواجهها، وهذا نبي من أنبياء الله قد تفرغ لعبادته وترك الحكم بين الناس فعاتبه الله ألا وهو داود ” وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ” وكم تصدى النبي صلى الله عليه وسلم للناس حتى أثر على عبادته صلى الله عليه وسلم فكان في آخر حياته يصلي جالسا كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها حين حطمه الناس، وهكذا المصلحون والعلماء وغيرهم من الناس الذين تصدوا لدعوة الناس، والأمر يحتاج إلى إعتدال، فلايسوغ أن نهمل الدعوة والإصلاح بحجة تربية أنفسنا، وفي المقابل لا يسوغ أن نهمل أنفسنا.

 

فلنؤتي كل ذي حق حقه والله أعلم، وحينما يتأمل الإنسان المسلم اليوم في أحوال نفسه وأحوال من حوله يدرك كم هو مشغول عن الغاية التي خلقه الله تعالي لأجلها، تلك الغاية التي قلّ منّا من يسأل نفسه هل سلك طريقها وهل توخّى وسائلها وطمع في جوائزها؟ وربما تفكرت طويلا في الغاية من عملك والغاية من تجارتك، والغاية من دراستك؟ ولا أشك أنك ستبحث عما يوصلك إلى تلك الغايات الشريفة، ولكن كم مرة سألنا أنفسنا لماذا خُلقنا ؟ ولماذا خلقنا الله تعالي على هذه الأرض ؟ وهل خلقنا لنتمتع بشهواتها وبطعامها وبشرابها؟ وبزينتها وزخرفها؟ ثم نموت وندفن في التراب وينتهي كل شيء؟ ولماذا خلقنا؟ إنه سؤال ربما نعيد بسببه كثيرا من حساباتنا الدنيوية والأخروية، أما الجواب فعليك أن تسمع الجواب من الله تعالي الذي تكفل به في قوله تعالى ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ”

 

فإنها العبادة وهي الغاية العظمى للحياة، ولكن الإنسان يميل بطبعه إلى المتع وتهفو نفسه إلى الدعة والراحة ويشتاق بتكوينه إلى ما يرضي دنياه، وهكذا خُلق الإنسان عجولا تغره الثمار القريبة الفانية حتى تشغله عن الباقية لأنها بعيدة، فيا أيها المسلم إن الله تعالى لم يأمرك بالعبادة ليقطعك عن متعك ولا ليحرمك من شهواتك ولا لينغّص عليك حياتك، كلا بل أمرك بالعبادة لتعيش بها هانئا سعيدا، مطمئن البال والضمير، ولهذا كانت العبادة راحة للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا تعب ونصب قال “أرحنا بالصلاة يا بلال” كما صح عند الإمام أحمد وأبي داود.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock