قال المتنبي:
وإذا كانت النفوسُ كبارًا… تعِبتْ في مرادِها الأجسامُ
فماذا نقول عن نفوسٍ صغُرت حتى اضطُرت لدفع المليارات لتكبر؟
في موسم الانتخابات البرلمانية، يبدو المشهد كأن الكراسي أثمن من المبادئ، وأعظم من ضمير الوطن.
هناك من يدفع الملايين، لا ليخدم الناس، ولا ليصلح طريقًا أو يبني مدرسة… بل ليشتري مفتاح النفوذ، ويؤمّن مكانًا على منصة الجاه والوجاهة، متناسياً أن الوطنية ليست شعارات ترفرف فوق الرايات، بل فعل مستمر يُقاس بالأثر لا بالمال.
يعلو صوته على المنصات، يرفع أعلامًا ويغني للوطنية… وكأنها أغنية موسمية تنتهي بمجرد فراغ صناديق الاقتراع.
أما الحقيقة فهي صارخة: الوطنية لا تُشترى، ولا تُباع، ولا تُهدى لمن يملك جيوبًا ممتلئة، بل لمن يملك قلبًا صادقًا وعزيمة لا تفتقدها الضمائر.
إن الألم الحقيقي ليس في دفع المليارات، بل في ادعاء حب الوطن بينما الهدف الحقيقي هو الكرسي، وتحويل الخدمة العامة إلى سوقٍ موسمي للمال والوجاهة.
أما من جاء لخدمة وطنه حقًا، فلن يحتاج إلى مليار واحد…
كلمة صادقة، عمل نزيه، مسيرة واضحة، وثقة تُبنى بالحق وليس بالحيلة، كفيلة أن تصنع الفرق.
أما الآخرون… فسيجلسون على الكرسي، لكن الكرسي لن ينتمي لهم، والوطن لن يذكرهم إلا في سجلات العبث والفشل، حيث تُكتب أسماء من باعوا القيم واشتروها بأثمان باهظة، ثم تغنوا بالوطنية وهم أبعد ما يكونون عنها.
الوطنية ليست شعارًا يرفرف… بل فعل، صادق، مستمر، لا يُشترى ولا يُباع، ويظل صوتها صادقًا حينما يُسمع، وصامدًا حينما يُقاس بالأفعال لا بالكلمات.