
الحمد لك يا رب العالمين، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيران ثم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن عصر المماليك، وقيل أنه بعدما رحل المغول عن الشام، وإستتب الأمر للمماليك، جردوا حملة كبيرة على بلاد كسروان سنة ستمائة وتسعة وتسعون من الهجرة، الموافقة لسنة ألف وثلاثمائة ميلادي، وإستولوا عليها، وأرغم سكانها على دفع ضرائب باهظة، وأخذت منهم أراضيهم وممتلكاتهم وأقطعت للتنوخيين الدروز جزاء لهم على حسن إستضافتهم للقوات المملوكية المهزومة أمام جحافل المغول، وفي سنة سبعمائة وخمسة من الهجرة، الموافقة لسنة ألف وثلاثمائة وخمسة ميلادي، نهضت حملة مملوكية جديدة إلى كسروان.
لقتال الشيعة بعد أن عادوا إلى مناوأة المماليك والتمرد عليهم، فسار إليهم نائب السلطنة في دمشق الأمير جمال الدين آقوش الأفرم على رأس جيش عظيم، فقاتلهم وأخرجهم من كسروان، بناء على فتوى شيخ الإسلام إبن تيمية، الذي إعتبر أن قتال الشيعة والنصيرية أولى من قتال الصليبيين والمغول لأنهم عدو في ديار الإسلام، وشر بقائهم أضر، نتيجة تلك الحملات، نزح الشيعة إلى جزين في جبل عامل، وفي تلك البلاد إتبعوا مبدأ التقية وتظاهروا بإعتناق المذهب الشافعي، وقد أصبحت جزين مركزا هاما للتجمع الشيعي المتستر بالشافعية خلال القرن الرابع عشر الميلادي، وفيها حاول الشيعة مقاومة المماليك مجددا لكن حركتهم فشلت مرة أخرى، ولم يلبث أن إعتنق شيعة بيروت والساحل اللبناني المذهب السني، وذابوا في النسيج الإسلامي السني القائم في تلك البلاد، وإنصرف شيعة جبل عامل.
إلى الإهتمام ببلادهم الجديدة وخصوصا بعد أن ظهر فيها النظام الإقطاعي، أما الدروز فتذكر بعض المصادر أنهم حالفوا المماليك وخضعوا لهم بطيب خاطر، فثبت السلاطين أمرائهم في إقطاعاتهم وخلعوا عليهم، وأنهم شاركوا المماليك في حرب الصليبيين وحملوا معهم على كسروان ضد أهلها من الشيعة، وأنهم استضافوا العساكر المملوكية المنسحبة من أمام المغول بعد معركة وادي الخزندار وأحسنوا إليهم، فقابلهم هؤلاء بأن إعترفوا بسلطتهم على منطقة الغرب في جبل لبنان المشرفة على بيروت، وعلى بيروت ذاتها، وعلى ما بين أيديهم من مقاطعات في المتن والشوف، بينما تنص مصادر أخرى على أن حملة كسروان كانت موجهة كذلك ضد الدروز وهم سكان جبال كسروان، على أنه لا يرد أي ذكر لسكان دروز في كسروان في تاريخ صالح بن يحيى التنوخي.
وهو المؤلف الموثوق الذي كتب بإسهاب عن حملات المماليك على كسروان، وكما ذكرت المصادر أنه نشأ النظام الإقطاعي في الشام خلال العهد الصليبي نتيجة لعاملين أولا، كان الصليبيون يألفون نظام الحكم السائد في بلدانهم الأوروبية في ذلك الوقت، فطبقوه في المناطق التي إستولوا عليها في المشرق الإسلامي، ولقد شعر الذين كانوا يقاومون الصليبيين بالحاجة إلى السيطرة على سفوح جبال لبنان لمراقبة خطوط مواصلات الجيوش الصليبية البحرية والبرية وقطعها أو تهديدها بالقطع عند اللزوم، وكانت جبال لبنان الوسطى والجنوبية آنذاك شبه خالية من السكان تقريبا، لذلك إستقدم الحكام المسلمون بعض القبائل الشديدة الشكيمة من أتباعهم وأقطعوهم تلك المناطق الجبلية ليجعلوهم يستقرون فيها ويتشبثون في الدفاع عنها، وكما في الشام، إعتمد نظام الإقطاع في مصر.
حيث كان أمراء المماليك يقطعون أراض زراعية واسعة يدفعون بموجبها خراجا سنويا إلى السلطة المركزية ويزودونها بحاجتها من الجنود عندما يتطلب الأمر، أما في الشام فقد قسمت الأراضي على عدد كبير من الزعماء الإقطاعيين الذين إشتهروا باسم المقاطعجية، المنتمين إلى عائلات قوية عريقة، وكان من أشهر تلك العائلات على سبيل المثال البحتريون وهم التنوخيون وهم زعماء مقاطعة الغرب، أي السفوح المطلة على بيروت وصيدا وما بينهما، وأيضا المعنيون وهم زعماء مقاطعة الشوف في جبل لبنان، وقد وفدوا إليها من دمشق حوالي سنة ألف ومائة وعشرون ميلادي، لرد هجمات الصليبيين، وأعمروه بعد أن كان قفرا، وأيضا الشهابيون وهم زعماء وادي التيم في سهل البقاع، وفدوا إليه من حوران حوالي سنة ألف ومائة وثلاثة وسبعون ميلادي، فإنتزعوه من الصليبيين.
وأقرهم عليه السلطان صلاح الدين الأيوبي، وأيضا بنو بشارة وهم زعماء جبل عامل، أي لبنان الجنوبي، وقد أعطوا إسمهم لتلك البلاد منذ ذلك الحين فأصبحت تعرف بإسم بلاد بشارة، وأيضا بنو الجيش وهم أجداد أمراء بني أرسلان وقد قطنوا ضواحي بيروت الجنوبية، وكذلك كان للموارنة في القسم الشمالي من جبل لبنان عائلاتهم الإقطاعية الكبيرة، وكان الإقطاعيون فئات، فكان منهم الأمراء والمقدمون والمشايخ، وكانت الإقطاعة الصغيرة تتكون عادة من قرية إلى عشر قرى، وعامل المماليك الزعماء الإقطاعيين في الشام بحسب الموقف الذي كانوا قد إتخذوه منهم فقد كافأوا بالخير أولئك الذين أيدوهم في حروبهم ضد الصليبيين والمغول كالبحتريين والمعنيين والشهابيين وثبتوهم في إقطاعاتهم.



